داء الخنازير

من موسوعة العلوم العربية
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. جاد الله السيد محمود
المساهمة الرئيسية في هذا المقال

داء الخنازير Scrofula مرض الخنازير هو تورم عنقي التهابي سليّ المنشأ عادةً، وقد ينتج عن عدوى المتفطرة اللاسلية. وينتج عادةً نتيجة التأثير على العقد اللمفية الرقبية مما يتسبب بالتهابها. وتلاحظ عداوى السل خارج الرئة (مثل داء الخنازير) أكثر الأحيان عند الأفراد منقوصي المناعة، وتصل حتى 50% من العداوى الرقبية.

يعرف عن داء الخنازير أنه يصيب الناس منذ العصور القديمة. وتقوم الجرحة بدور حيوي في تشخيص ومعالجة هذا المرض. وخلال العقود المنصرمة ضعف دور الجراحة بسبب ما تحمله من مخاطر استمرار المرض والتسبب بحصول بعض المضاعفات.

ففي السل الرئوي أصبحت المعالجة الدوائية العلاج المعياري في هذا الداء، وحلت طرق التشخيص الأحدث (مثل الشفط بإبرة رفيعة) محل الطرق الغازية أكثر للأنسجة.

اليوم تقريبًا 95% من عداوى المتفطرة في الرقبة عند البالغين تسببها جراثيم المتفطرة السلية، والباقي تسببها المتفطرة اللانموذجية، أو المتفطرة اللاسلية. أما عند الأطفال فينعكس هذا الميل، حيث تسبب 92% من الحالات المتفطرة اللانموذجية.

عرفت المتفطرة اللاسلية لأول مرة كسبب لالتهاب الغدد الرقبية عام 1956. وقد عرف حتى الآن أكثر من 50 نوعًا، نصفها يُعرف كممرضة. تشير الإحصائيات إلى زيادة في انتشار وعزل حالات التهاب العقد اللمفاوية الرقبية التي تسببها المتفطرة اللاسلية، وللتفريق تداعياته التشخيصية والعلاجية. تاريخيًا كان يشير مصطلح داء الخنازير إلى التهاب الغدد السلي؛ لكنَّ التهاب الغدد بالمتفطرة اللاسلية مُتضمنٌ أيضًا في المقال لإتمام الموضوع.

المتفطرات والعصية السلية

تنتمي لجنس المتفطرات، وهي عصيات طويلة أسطوانية غير متحركة لا تشكل أبواغًا. يختلف جدارها عن جدر باقي أنواع الجراثيم في أنَّه مكون من الشحوم بنسبة 60%، بما فيها صنف فريد ذو سلسلة طويلة (75-90 ذرة كربون في الجزيء). وحموض دسمة كحولية (حموض الميكوليك).

تشكل هذه الحموض الدسمة مع عدد متنوع من الببتيدات وعديدات السكريد معقدات، مكونةً سطحًا شمعيًا على الخلية، ما يفسر صفاتها الصامدة للحمض. وتجعلها جدرانها الخلوية غير الاعتيادية هذه محصنة ضد كثير من المطهرات الكيميائية، وترجع له مقاومتها للفعل الأكالي للقلويات والحموض القوية. وقد استفيد من هذه الحقيقة في إزالة التلوث من العينات السريرية، مثل عينات المخاط، حيث يمكن القضاء على الكائنات غير المتفطرة باستخدام بعض العلاجات.

تلوينها: يجري تلوين الجراثيم الصامدة للحمض بأن يسكب فوقها ملون كَرْبولُ فُوكْسين الأحمر ثم تسخن لتمكين الصبغة من اختراق الجدار. ثم يُصب الكحول الحمضي (95% إيثانول مع 3% حمض كلور الماء) على المسحة، ثم يُطبق أزرق الميثلين. لا يتحلل جدار الخلية الشحمي للمتفطرة عند تطبيق الكحول الحمضي، ولذا لا يُزال أحمر الفوكسين منه. فتظهر هذه الجراثيم حينها باللون الأحمر. بينما تظهر باقي الجراثيم باللون الأزرق (بسبب أزرق الميثلين).

كما أنَّ المتفطرات مقاومة للجفاف، لكنها غير مقاومة للحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية أو الإشعاع.

تختلف المتفطرة اللاسلية عن المتفطرة السلية في الإمراضية في أمرين:

  • لا يحدث انتقال بين الأشخاص عمومًا، وأنواع المتفطرة اللاسلية واسعة الانتشار في الطبيعة وليس بالضرورة أن تكون ممرضة.
  • يمكن أن يعمل التجويف الفموي كبوابة شائعة للدخول، ذلك أنَّ المرض أساسًا يحدث عند الأطفال الذين لديهم نزعة لوضع الأجسام الملوثة في فمهم.

وبائة داء الخنازير

يعد التهاب العقد اللمفية الغدية التظاهر الأساسي لداء السل عند 5% من المرضى المؤهلين مناعيًا، وتزود العقد اللمفية الرقبية بموقع الإصابة في ثلثي الحالات.

عند الأشخاص المصابين بفيروس العوز المناعي البشري يمكن أن يمثل التهاب الغدد اللمفية الرقبي ثُلث التظاهرات. حاليًا 2-10% من عداوى المتفطرة في الولايات المتحدة تحدث نتيجة المتفطرات اللاسلية. أما في البلدان الفقيرة حيث يعد السل متوطنًا، يعد السل هو العنصر الصحي الأساسي.

معدل وفيات الإصابة بالسل وصل لـ 20% بوجود الإصابة بسل رئوي متعدد المقاومة للأدوية. لكن لا تتوافر إحصائيات للعقد اللمفية الرقبية المعزولة.

الأعراض

السل المتفطري

تشير التقارير لحصول كتلة مستمرة أو متضخمة. وتتضمن الأعراض الجهازية الحمى والقشعريرة وخسارة الوزن والتوعك عند 43% من المرضى.

تتضمن الأعراض الجسدية:

  • أي عقدة رقبية، رغم أنَّ إصابة السلسلة الرقبية الأمامية أكثر شيوعًا.
  • عقد مطاطية ثابتة، تصبح أكثر ثباتًا، وانبساطًا بتقدم المرض.
  • نادرًا ما يحدث ناسور تصريفي.
  • كتل متعددة عند ثلثي المرضى.
  • عقد ثنائية الجانب عند ثُلث المرضى.

المتفطرة اللاسلية

كتلة رقبية وجهية مزمنة.

  • تقدم سريري للمرض.
  • ليس هنالك من أعراض رسمية.
  • استجابة ضعيفة على الصادات الحيوية التقليدية.
  • عدم وجود تاريخ للتعرض للسل.
  • كتلة متموجة قليلًا غيرممضة بجلد مطوي ذو لون بنفسجي. يشار لهذا بالخراج البارد، بسبب افتقاره للدفء والحرارة. تقدم الآفة، ويمكن أن يلتصق الجلد بالكتلة الداخلية. قد تتطور هذه المرحلة لشق وتشكل جيب.

التشخيص

التصوير

  • المسح المقطعي والتصوير بالرنين المغناطيسي

رغم أنَّ كلا الطريقتين يمكنهما تصوير المواقع بدقة إضافة لنمط ومدى المرض، إلا أنَّ هنالك تقييدات لهما، كما أنَّ نتائج التصوير غير محددة. يُخطأ كثيرًا باعتبار العقد المصابة بالسل نقائل سرطانية.

  • تصوير الصدر الشعاعي

بالنسبة للسل فرغم حقيقة أنَّ التهاب الغدد اللمفية الرقبية يحدث عادةً نتيجة عدوى رئوية قصبية، إلا أنَّ مراجعة الأدبيات تظهر معدل موجودات إيجابية منفخض بدرجة مخيبة للآمال (بتوسط 10-24%) عند المرضى المصابين بداء الخنازير. أما بالنسبة للموجودات في حال الإصابة بالمتفطرة اللاسلية فهي طبيعية.

  • تخطيط الصدى

تشير دراسة إلى أنه يمكن استخدام تخطيط الصدى لتشخيص العقد اللمفية المصابة بالسل في العنق في مناطق توطن الداء. وتضمنت الدراسة 476 مريضًا، فيهم 69 مصابًا بعقد لمفية سلية، والباقي بعقد لمفية لا سلية حميدة أو خبيثة.

مشتق البروتين المنقى (اختبار السلين PPD)

  • المتفطرة السلية:

يستخدم هذا الاختبار بموثوقية عند الإصابة بالسل، وهو اختبار جلدي لمشتق بروتين السل المنقى جزئيًا (PPD). عمومًا أكثر من 85% من المرضى يحصل لديهم إيجابية بقطر يصل أكثر من 10 ملم. يجب عد هذا الاختبار الخط الأول في الاستقصاء عند تشخيص المرضى المصابين بكتل رقبية. تقل فائدة هذا الاختبار عند الأفراد منقوصي المناعة.

  • المتفطرة اللاسلية:

تختلف الاستجابة بالنسبة للمتفطرة اللاسلية. فهنالك تصالب مع العصية السلية في اختبار PDD؛ ويكون قطر التصلب عادةً أقل من 10 ملم.

الارتشاف بالإبرة الرفيعة

  • يعد هذا إجراءً مفيدًا مع نسبة حساسية تصل إلى 77% ونوعية تصل إلى 93%.
  • المعايير الأكثر موثوقية لتشخيص العدوى هي وجود عصيات صامدة للحمض، وجراثيم مزروعة مأخوذة من الارتشاف.
  • تشكل الورم الحبيبي محتمل جدًا، لكن غير مُحدد.
  • يتطلب الزرع 4-6 أسابيع؛ لكن تعد التقنيات الحديثة من تفاعل البوليمراز المتسلسل واعدة.

الخزعات الاقتطاعية والاستئصالية

  • بالنسبة للسل: تعد هذه الخزعات خطرة، ذلك أنَّها يمكن أن تساهم في انتشار المرض في الجسم، وفي تشكل الجيوب.
  • بالنسبة للمتفطرة اللاسلية: للخزعات الاستئصالية فعالية علاجية وتشخيصية.

الموجودات النسيجية

  • المتفطرة السلية:

يشار للمتفطرة السلية بأنها صامدة للحمض نتيجة مقاومتها إزالة التصبغ بعد معاملتها بالحمض والكحول. وتوضح تقنية تسل نيلسون وجود عصيات قضيبية مخرزة قليلًا هوائية مجبرة غير متحركة. وقد يلاحظ وجود أورام حبيبية جبنية. يقوم التشخيص المؤكد للمتفطرة اللاسلية على الكشف الموضوعي للعضية من خلال الزرع. وتتسم بسمات نمو نوعية، وبالقدرة على تشكيل صبغات عند الزرع.

  • المتفطرة اللاسلية:

من السمات المفترض أنَّها أكثر تمثيلًا لالتهاب العقد اللمفية الغدية بالمتفطرة اللاسلية: - أورام حبيبية غير سياجية، أو محددة للمرض.

- سمة ساعية أو شاذة للورم الحبيبي.

- استجابة ورمية حبيبية غير نوعية مع تجمعات غير محددة للخلايا اللمفاوية البطانية.

- تنخر جبني قليل جدًا، أو عدم وجود تنخر جبني أبدًا.

- بعض الخلايا العملاقة.

- أورام حبيبية متباينة بالحجم في مراحل مختلفة من تطورها.

لكن لا تعطي الموجودات النسيجية السابقة تشخيصًا حاسمًا.

العلاج

العلاج الدوائي

  • عدوى المتفطرة السلية:

عمومًا لا تعد عدوى المتفطرة السلية عدوى موضعية؛ لذلك يجب البدء بالعلاج الجهازي. يعد العلاج الدوائي علاجًا معياريًا لداء الخنازير. فيمكن تطبيق الصادات الحيوية الفعالة في عدوى الرئة السلي على التهاب الغدد اللمفية الغدية السلي. وهنالك خيارات عدة، منها ما يعطى يوميًا، ومنها ما يعطى مرتين أسبوعيًا، ومنها ما يعطى ثلاث مرات أسبوعيًا. والعلاج الأكثر شيوعًا يتضمن علاجًا تجريبيًا من 4 أدوية: الإيزونيازيد والريفامبين والبيرازيناميد والإيثامبوتول. وبعد عودة الحساسية يتابع بدوائين لمدة 6 أشهر.

  • عدوى المتفطرة اللاسلية:

يظهر في علاج المتفطرة اللاسلية أن للعلاج الدوائي المضاد للسل لوحده عوائق كبيرة، نتيجة لنقص التأثر في الزجاج. وأظهرت بعض التقارير فعالية الكلاريثروميسين عند المصابين بالمتفطرة اللاسلية. وقد تبين أن أكثر من 50% من المرضى المصابين بالمتفطرة اللاسلية يمكن أن يستجيبوا للعلاج الدوائي، وذلك باستخدام الكلاريثروميسين لوحده. وفي حال لم يظهر العلاج لمدة شهرين أي فائدة فعندها يجب اللجوء للتداخل الجراحي.

العلاج الجراحي

  • العلاج الجراحي للمتفطرة السلية

للعلاج الجراحي لوحده نتائج مخيبة للآمال في علاج الإصابة بالمتفطرة السلية، كما يُصاحب بمعدل عالٍ من الانتكاسات والتنوسرات. والجراحة مخصصة في هذه الحالة لتشخيص المرض الموضعي المتقدم، والمرض الدائم، وتصريف الناسور. قد يؤدي الفشل في تقديم معالجة دوائية مناسبة في وقت الجراحة إلى إصابة المريض بنواسير تالية للجراحة، وانتشار دموي.

  • العلاج الجراحي للمتفطرة اللاسلية

تقليديًا يعدُّ التدخل الجراحي المتراوح من ارتشاف بسيط إلى استئصالٍ كاملٍ هو خيار المعالجة الأمثل. ولا ينصح بالتصريف أو الشق البسيط، بسبب ارتباطهما بمعدلٍ عالٍ من الانتكاس والتنسور. ويفضل الاستئصال الجراحي الكامل؛ لكن لا يخلو هذا الإجراء من مخاطر، وتتضمن أذية العصب الوجهي، وتشكل الندبات صعبة التصحيح.

في حال القيام باستئصال كامل فليس هنالك من داعٍ لإزالة جميع العقد اللمفية في المنطقة التي أثر عليها الالتهاب، ذلك أنَّ العقيدات الساتلة لا يبدو أنها ترتبط بانتكاس المرض.

المضاعفات

تتضمن المضاعفات المرتبطة مع الإصابة بالمتفطرة السلية مرضًا منتشرًا، وناسورًا تصريفيًا مزمنًا. أما المضاعفات المرتبطة مع الإصابة بالمتفطرة اللاسلية فتتضمن تشكل ندبات.

المصدر

https://emedicine.medscape.com/article/858234-overview#a13