حمى الخنادق

من موسوعة العلوم العربية
(بالتحويل من Trench fever)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. جاد الله السيد محمود
المساهمة الرئيسية في هذا المقال

حمى الخنادق Trench Fever حمى الخنادق هي متلازمة سريرية تسببها الإصابة بجرثومة البرتونيلة الخمسية Bartonella quintana.

وصفت هذه الحالة للمرة الأولى أثناء الحرب العالمية الأولى. وذلك رغم وجود دنا لهذه الجرثومة أيضًا في أسنان عظم بشري يعود لـ 4000 سنة في فرنسا. توقفت تقارير انتشار هذه الحمى بعد الحرب العالمية الأولى ثم عادت في المقدمة الشرقية في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي عام 1969 تمكن الباحثون بنجاح من زراعة العضية المسببة (سميت حينها بالريكتسية الخمسية) من مريض، وسببوا بها المرض لحاضنين أصحاء. وأعيد تصنيفها ضمن الجراثيم البرتونيلة عام 1993.

يعد قمل الجسم البشري هو الناقل الأساسي لهذه الحمى. ويطبق مصطلح حمى الخنادق المدنية على داء البرتونيلة الخمسي المعاصر. والذي يصيب عادةً الأشخاص المشردين ومدمني الكحول والفقراء (في حين يطلق مصطلح حمى الخنادق على إصابة الجنود). حيث سُجلت تقارير لإصابات فردية بهذه العدوى في أنحاء العالم، وكانت مرتبطة بضعف التصريف الصحي وقلة النظافة والكحولية وسوء التغذية. وتشير الدراسات المصلية إلى أن هذه الحمى أكثر شيوعًا مما تذكره التقارير السريرية، وأنَّ هنالك كثير من العداوى لا تظهر أعراضًا سريرية. وتصيب العدوى كلًا من المؤهلين مناعيًا ومنقوصي المناعة.

لهذه الحمى الآن عدة أسماء مختلفة، منها: الحمى الخمسية، وحمى الأيام الخمسة وحمى الظنبوب، وحمى السابق المؤلمة وحمى ولهينيا وداء هيس فيرنر.

سميت بالحمى الخمسية بسبب الفواصل بين النوبات التي تستغرق فترة 5 أيام.

العامل الممرض

البرتونيلة الخمسية هي عصيات سلبية الغرام داخل خلوية مخيرة. وهي عصيات قصيرة بطول 1-1.7 مكم وعرض 0.3-0.5 مكم. تظهر سلبية لتفاعلات الكتلاز والأوكسيداز. يمكن زرعة الجرثومة في وسط ممحوض (وسط غير ملوث، يُستخدم لتنمية كائن واحد) وكذلك في مزرعة خلوية.

عند زراعتها على وسط آغار يمكن الحصول على مستعمرات بعد 12-14 يومًا، لكن قد يكون الحضن المطول ضروريًا، ويتطلب عزلها زراعةً لمدة قد تصل 45 يومًا. يمكن للزرع الثانوي أن ينقص وقت الحصول على المستعمرات حتى 3-5 أيام.

يعد البشر المضيف للجرثومة، أما قمل الجسم هو الناقل الأساسي.

الجينوم

يتكون الجينوم من 1.6 مليون أساس، ووجد أنه مشتق من جينوم أكبر مكون من 1.9 أساس للبرتونيلة الهنسلية، والاختلاف الأساسي بين النوعين هو غياب الجزر الجينومية في الأولى.

الفيزيولوجيا المرضية

يعد قمل الجسم البشري هو الناقل الأساسي.

بعد دخول الجرثومة عبره للجسم البشري تغزو الكريات الحمراء والخلايا البطانية، حيث تُحمى من الاستجابة المناية الخلطية للمضيف. ويتحدد استعمارها ضمن الكريات الحمراء بدرجة كبيرة بإصابتها للإنسان، في حين غزو الخلايا البطانية الوعائية يكون مشابهًا في أنواع أخرى من الكائنات. ظهر أنَّ الوحيدات عند المتشردين المصابين بتجرثم دموي بالبرتونيلة الخمسية تنتج الإنترلوكين 10، ما يؤدي إلى استجابة مناعية مضعفة يمكن أن تسهل استمرار الإصابة الجرثومية. ونفس المرضى ينتجون استجابة خلطية أضعف من المرضى المصابين بالتهاب شغاف القلب، حيث تكون عندهم (المصابين بالتهاب شغاف القلب) استجابة مناعية أقوى وتجرثم دم أقل.

وحالما تغزو الجرثومة وتبدأ بالتضاعف ضمن الخلايا البطانية، تتفعل السيتوكينات السابقة للالتهاب، وكذلك تُكبح الاستماتة، ويبدأ التكاثر الوعائي. فتؤدي هذه التغيرات إلى أعراضٍ جهازية، وتجرثم دم وعدوى لباطن الأوعية وتضخم لمفاوي.

إمراضية الإصابة بالبرتونيلة الخمسية تشير إلى أنَّ تجرثم الدم حدثٌ باكر في كل المتلازمات المتنوعة المتعلقة به. وعند بعض المرضى يستمر تجرثم الدم بضعة أيام، في حين عند آخرين يستمر لأشهر أو لسنوات.

السببيات

تسبب هذه الجرثومة حمى الخنادق وحمى الخنادق المدنية. ويعد البشر المستودع الأساسي للعامل الممرض، رغم تسجيل الإصابة في عدد من الرئيسيات غير البشر، وفي القطط.

يمكن أن يتواجد العامل الممرض عند المرضى المصابين في الدم والأنسجة (خصوصًا الجلد) والبول. قد يكون تجرثم الدم الحاصل متقطعًا أو مستمرًا لسنوات.

يمكن أن تنتقل الجرثومة عبر السوس والبرغوث والقراد. حيث أظهرت دراسة عام 2014 أنَّ براغيث القطط يمكن أن تهضم الجرثومة وتحررها تجراثيم عيوشة في برازهاز وتدخل الجرثومة عبر براز القملة أو عضة مفصلي الأرجل.

لم تسجل حالات لانتقال مباشر بين البشر.

الوبائيات

سجلت الإصابة في جميع القارات باستثناء القارة القطبية.

المآل

تكون الإصابة عند معظم المرضى المؤهلين مناعيًا محددة ذاتيًا، إلا إن حصل التهاب لشغاف القلب. أما عند المضيفين منقوصي المناعة فتميل الإصابة لتكون أشد، وقد تؤدي للوفاة.

في الحرب العالمية الأولى أدت الإصابة بهذه الحمى إلى إمراضية شديدة وإعاقة مطولة، لكن لم يلاحظ حصول وفيات. أما الوصف المعاصر لالتهاب شغاف القلب المسبب بالبرتونيلة الخمسية عند الكحوليين المشردين الذكور وصلت فيه نسبة الوفيات إلى 12%، وأكثرها كان متعلقًا بمضاعفات شغاف القلب، أو بالجراحة المستخدمة في معالجته.

الأعراض

حمى الخنادق

كانت فترة الاحتضان تتراوح بين 3-48 يومًا.

  • يمكن أن يصاب الجنود الشبان المصابين بحمى الخنادق بـ:

- صداع.

- حمى ناكسة.

- ألم في الساق.

- طفح جذعي: الطفح حماموي حطاطي ير حاك، ويرتبط بنوبات الحمى، يمكن ن يمتد ليصل للبطن والعنق والأطراف البعيدة حتى. (رغم أنَّ الطفح غير حاك إلا أن عضات القمل والجرب المرافقة للمرض تكون حاكة).

- تضخم طحال.

- يكوون الصداع مفائجًا في البداية، ويوصف على أنَّه صداع أمامي أو خلف الحجاج. ويرتبط غالبًا مع تيبس في الرقبة ورُهاب ضوء، ما يضع احتمالية الإصابة بالتهاب السحايا.

  • تتضمن الأعراض العصبية النفسية الأخرى:

- الضعف.

- الاكتئاب.

- التململ.

- الأرق.

- يمكن أن يصاب كثير من مرضى حمى الخنادق بإعياء شديد.

- تصل الحمى غالبًا حتى 104 فهرنهيات. وترتبط بتوعك وقشعريرة وتعرق.

  • للحمى 3 أنماط متمايزة، وكلٌ منها يرتبط غالبًا مع قشعريرة وتعرق غزير:

- الحمى المجهضة: يستمر ارتفاع الحرارة بضعة أيام، ثم تختفي الحمى.

- الحمى الناكسة: وهو النمط الأكثر شيوعًا للحمى، ويحصل كنوبات يفصل بينها 5 أيام (تتراوح بين 4-8 أيام)، وهو ما أعطاها اسم الحمى الخمسية، وحمى الأيام الخمسة؛ يمكن أن تزيد الحمى تقدميًا أثناء النوبة الأولى، ومن ثم تتحسن تقدميًا أثناء الانتيابات اللاحقة.

- الحمى المستمرة: تستمر طيلة فترة المرض.

- الألم العظمي: خصوصًا ألم الظنبوب، والذي يسوء تقدميًا خلال فترة المرض. ويصبح الألم أسوأ بكثير بالتمارين، ويمكن أن يكون شديدًا جدًا بحيث يمنع المرضى حتى من تغيير وضعيتهم في السرير. ومن مواقع الألم الأخرى الشائعة هي الناحية القطنية مع تشعع الألم نحو الأطراف السفلية أو إلى القسم العلوي من الظهر.

يمكن أن تبدأ الأعراض الهضمية لحمى الخنادق مع انتشار ألم بطني، يترافق غالبًا مع قهم وإعياء وإقياء وخسارة في الوزن وإسهال أو إمساك.

- يعد التهاب الملتحمة عرضًا أوليًا شائعًا آخر. الطفح الجذعي الحماموي وتسرع القلب يمكن أن تتطورا أثناء النوبات الحموية. وقد يحصل انقطاع في النفس.

- كان من الشائع إصابة مرضى حمى الخنادق بلسان مفرى أو مطلي.

- أصيب بعض المرضى بعجز لمدة أشهر، وبعضهم استمر بأداء نشاطاتهم اليومية، وتعافى بعد مدة قصيرة.

حمى الخنادق المدنية

تتصف حمى الخنادق المدنية أيضًا بأحد أو أكثر من الأعراض الموصوفة أعلاه، إلا أنَّ تظاهراتها تميل لتكون أكثر تنوعًا.

من غير الشائع إصابة مرضى حمى الخنادق المدنية بأعراض بطنية وعصبية.

متلازمات مرافقة

  • المرضى المصابين بالتهاب عقد لمفية مزمن عادةً ما يصيب المرض عفدهم اللمفية الرقبية والمنصفية. ولا يصابون بحمى، وقد يكونون لا عرضيين.
  • يتظاهر الورام الوعائي العصبي نموذجيًا مع حطاطة واحدة أو أكثر تتطور لعقيدات، ويمكن أن تنحصر بمنطقة تشريحية واحدة. لكن تميل الآفات عند المرضى منقوصي المناعة لتكون أكثر انتشارًا، ومن المرجح أكثر أن تصيب الأحشاء، مثل الكبد والطحال والسبيل الهضمي. تكون الآفات حمراء أو بنفسجية أو عديمة الصباغ، وقد تكون سطحية أو تحت جلدية. كما قد تتحرك أو تكون مثبتة بالبنى الداخلية (مثل العظام). وبغض النظر عن المظهر، فهي تنزف بشدة عند ثقبها أو شقها. ومن الشائع حصول تضخم في العقد اللمفاوية القريبة.

أما المرضى المؤهلين مناعيًا المصابين أيضًا بورم وعائي عصبي لا يصابون بحمى نموذجيًا.

  • المرضى المصابين بالتهاب شغاف القلب بالبرتونيلة الخمسية يصابون بحمى ونفخات. وتصيب الآفات نموذجيًا صمامات الجانب الأيسر من القلب، ما يؤدي إلى عدم كفاية مترالية، أو عدم كفاية أبهرية أو كليهما. ومن غير الشائع إصابة الجانب الأيمن من القلب. وقد يحصل فشل قلبي، وتتطور الآفات صمية المنشأ عند 20% من المرضى.

التشخيص

  • من الصعب تشخيص الإصابة بحمى الخنادق في المختبر. فزراعة الدم حساسيتها منخفضة، أم الاختبارات المصلية فغير مفيدة بسبب ضعف النوعية الناتجة عن التفاعل المتصالب مع باقي العضيات.
  • يعد تفاعل البوليمراز المتسلسل حساسًا ونوعيًا، لكنه يتطلب وجود تقنيات في المختبر. لذلك يجب القيام بفحوصات ميكروبيولوجية.
  • يمكن لتخطيط صدى القلب عبر الصدر وعبر المري أن يحدد وجود إنتاشات صمامية في حالات التهاب شغاف القلب بالبرتونيلة.
  • يمكن إجراء مقايسات التألق المناعي (IFAs) لمستويات الغلوبولين المناعي M والغلوبولين المناعي G، ورغم أنها يمكن أن تعطي تفاعلًا متصالبًا، فيجب لذلك أن تجرى كميًا مرتين والمقارنة لإثبات التشخيص (من الشائع حصول تصالب في الأضداد ضد البرتونيلة الخمسية والمتدثرة الرئوية و الكُوكْسِيلَّةُ البُورنيتِيَّة).
  • يمكن استخدام المقايسة المناعية بالأنزيم (EIA)، ومقايسة الامتصاص المناعي المرتبط بالأنزيم (ELISA).

الموجودات النسيجية

  • تظهر خزعة الآفات الجلدية عند المرضى المصابين بعدوى البرتونيلة ارتشاحًا لمفاويًا حول الوعاء، مع بعض الخلايا الالتهابية.
  • يمكن كشف الجراثيم البرتونيلة في النسج الخلالية. ويمكن أن تصيب الآفات الكبد والطحال ونقي العظام والنسج اللمفية.
  • تُظهر العقد اللمفية المتضخمة تفاعلًا ورميًا حبيبيًا غير جبني مشابهًا للتفاعل في داء خدش القطط catscratch disease. ولا يمكن كشف الجراثيم باستخدام المجهر الضوئي.
  • تُظهر إمراضية إصابة نسيج صمام القلب تفاعلًا التهابيًا وحيد النواة مع تكلسات بؤرية.

العلاج

قد يتطلب التدبير الأولي لعدوى البرتونيلة الشديدة إدخال المريض للمستشفى.

العلاج الدوائي

تظهر البرتونيلة الخمسية حساسية للأجيال الحديثة من البيتالاكتامات والكلورامفنكول والماكروليدات والتتراسيكلينات والفلوروكينولونات (باستثناء السيبروفلوكسياسين) والأمينوغليكوزيدات والريفامبين والتريمثوبريم مع سلفاميثوكسازول.

رغم أنَّ دراسات الحساسية الميكروبيولوجية قد لا تتنبئ بدقة بالفعالية السريرية. وتبدو هذه الجراثيم أنها تستجيب سريريًا للعلاج بالأدوية المثبتة للجراثيم، مثل الدوكسيسيكلين والإرثروميسين والأزيثرومايسين.

في الحالات المعقدة من العدوى من الحاسم استخدام مزيج علاجي من دوائين يعرف عنهما فعاليتهما في الزجاج ضد هذه الجرثومة.


بعض المساقات العلاجية المستخدمة:

  • حمى الخنادق وحمى الخنادق المدنية: في حالة المرض غير المعقد يستخدم الدوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا لمدة 28 يومًا، والجنتاميسين 3 ملغ/كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا. كما تعد الماكروليدات والسيفترياكسون فعالة أيضًا.
  • في تجرثم الدم المزمن: الدوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا لمدة 28 يومًا، والجنتاميسين 3 ملغ/كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا. وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر معالجة أطول (تصل حتى 4 سنوات). يمكن للزرع المتسلسل للدم أن يساعد في تحديد مدة العلاج بتوضيح مدى استئصال المرض.
  • تضخم العقد اللمفاوية المزمن: الإرثروميسين 500 ملغ فمويًا 4 مرات يوميًا لمدة 3 أشهر (علاج خط أول) أو الدوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا لمدة 3 أشهر (علاج بديل)؛ أما في الحالات الصعبة فيمكن إضافة الجنتاميسين 3 ملغ/كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا.
  • الورام الوعائي العصوي: الإرثروميسين 500 ملغ فمويًا 4 مرات يوميًا لمدة 3 أشهر (علاج خط أول) أو الدوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا لمدة 3 أشهر (علاج بديل)؛ وفي الحالات الناكسة يمكن إضافة الجنتاميسين 3 ملغ/كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا. كما يمكن استخدام الفلوروكينولونات والسيفترياكسون.
  • التهاب شغاف القلب: الدوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا لمدة 6 أسابيع، مع الجنتاميسين 3 ملغ/كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا. وفي حال كان الزرع سلبيًا يجب إضافة السيفترياكسون، ويحتج معظم المرضى لجراحة قلبية صمامية.

التداخل الجراحي

يمكن استخدام الخزعة الجراحية عند الضرورة للحصول على تشخيص يقيني بالتهاب شغاف القلب والتهاب العقد اللمفية والورام الوعائي العصوي. وقد يتطلب الأمر جراحة قلبية.

المصادر

https://emedicine.medscape.com/article/230294-overview#a7

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3373112/