نقاش:كتاب قوانين الطبيعة وظهور العلة الغائية

من موسوعة العلوم العربية
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.

ملاحظة : النص في صفحة النقاش هذه هو مسودة غير منقحة ، من ناحية مراجعة الترجمة ودقة التنضيد

كتاب قوانين الطبيعة وظهور العلة الغائية/تمهيد

Prologue تمهيد

إن المقولة القديمة بأن الإنسان هو الكون الأصغر ، ملخص أو نموذج للعالم ، (نسخة الأكوان) ، قد رسخها علماء الكيمياء القدامى ، وكأن الإنسان يفترض فيه وجود صلات وتوازيات معينة تتوافق مع كل نوعيات الأشياء من نجوم وكواكب ، ومعادن ، تلك التي توجد في العالم الكبير فرنسيس بيكون ، تقدم التعلم 1605 Francis Bacon, The Advancement of Learning, 1605

نظراً لأننا نعيش في نهايات القرن العشرين بثقافة ترفض النظرة الفلسفية التقليدية للإنسان كمركز وغاية لهذا الكون ، وترى الوجود الإنساني باختصار كصدفة مهمة ، فمن المثير أن نسترجع مقدار الفرق بين نظرتين ؛ النظرة إلى العالم في القرون الوسطى كما كانت في القرن الخامس عشر أو أواخر القرن الخامس عشر قبيل ولادة العلم الحديث بقليل ، نجد أن الكون كان بالنسبة للفلاسفة المسيحيين والمسلمين على حد سواء ولمفكري القرون الوسطى عبارةٌ عن كُلٍّ فريد صممه الله خصيصاً للإنسان باعتبار أن الإنسان محوره وغايته ، ووجدت كل مظاهر الواقع تفسيرها ضمن هذه الحقيقة المركزية ، بحيث كان الإنسان هو الكون الأصغر وكل منحىً في هذا الكائن يعكس الكل الأكبر أي الكون بكليته ، وكل ما يحويه وبالنسبة للعلماء المسيحيين اعتبر الوحي الإنجيلي وبالأخص التجسد هو ما فرض خاصية المبدأ الإنساني العميقة في رؤيتهم القروسطية للعالم ، ويمكن أن نرى مبدأ مركزية الإنسان المهمة بثقافة المسيحيين في القرون الوسطى كما عبر عنها بشكل جيد آرون كورفتش Aron Gurevich في عمله الكلاسيكي فئات الثقافة القروسطية Categories of Medieval Culture : إلى هنا جهود إمساك العالم كلاً واحداً موحداً نراها عبر كل المشهد الفوق وسطي في الموسوعات وفي التعريفات إلخ.

ففلاسفة القرن الثاني عشر يتحدثون عن ضرورة دراسة الطبيعة بإنه بمعرفة الطبيعة بكل أعماقها يجد الإنسان نفسه.

وما نجده خلف هذه الحوارات والصور هو اعتقاد جازم بوحدة وجمال العالم وأيضاً اعترافاً بالمكان المركزي للإنسان بهذا الكون الذي خلقه الله. ووحدة الإنسان مع الكون كما تظهر في التناسق بينهما إلى الإنسان والعالم تحكمها الموسيقى الكونية التي تعبر عن تناغم بين الكل والأجزاء وتشمل الجميع من الدوائر السماوية إلى الإنسان ميوزيكا هيومانا والميوزيكا بولدانا وكل شيء يقاس بالوقت يرتبط بالـموسيقا والموسيقا ترتبط برقم وهكذا فالكون الكبير والكون الصغير الذي يصنعه الإنسان تحكمه الأرقام.

التي تحدد الشكل وتحدد الحركة وفي الأرقام نجد سر جمال الكون فلعقل الإنسان في القرون الوسطى نجد أن مفاهيم الجمال والنتاسق والتناسب والتناغم والأولوية كانت قريبة لبعضها إن لم تكن متطابقة. وهكذا كانت نظرتهم وفق المركز الإنساني أو مركزية الإنسان في الوجود شديدة وعميقة كما يشير كيرفش كل جزء من الجسد الإنساني له صلة بجزأ من الكون فالرأس هو السماوات والتنفس هو الهواء والمعدة هي البحر والقدم الأرض والعظام الصخور والعروق بأغصان الشجر وافتراض أن كل الكون متركز على الإنسان وإن كل وجه للحقيقة وكل قانون للطبيعة يعكس هذه الحقيقة المركزية. كان هو المحور المسيطر الذي بنت عليه الحضارة في أوربا والقرون الوسطى ولم يكن ثمة مجال لأي انحراف ولو صغير عن الإجماع على تبني فلسفة تنبي مركز الإنسان وألا يتعارض مع الوحي المسيحي بأن الإنجيل يشير إلى أن القصة الكبرى في تاريخ الإنسان كانت مركزية لغاية الله إلى الكون وأن الأرض كانت فريدة واختيرت من قبل الله كمكان لهذه القصة وأن الله نفسه باعتقاد المسيح أخذ شكل الإنسان ليحمل خطايا الخلق وحتى بعد فترة القرون الوسطى كان كثير من المفكرين المعاصرين الأول كفرنسيس نيكول الذي له فضل الفلسفة العلمية التي تركز على التجربة وكان له ميل مشابه تماماً للعلم الحديث نجد أن الفكرة الفلسفية لمركزية الإنسان في النظام الطبيعي مفترضت سلفاً عنده دون أدنى تساءل وفيما يلي فقرة من كتاب فرنس بيتون بيتس بيتشا فتيريون ويوضح تعليق نيكول إلى أنه يعمل في إطار الإنسان هو مركز الكون يقول: الإنسان يمكن اعتباره مركز العالم بحيث إذا أوخذ الإنسان خارج العالم فما يتبقى يبدو أنه منحرف عن غايته لا غاية له ولا هدف ويؤدي إلى اللاشيء وكل العالم يعمل بأجمعه لخدمة الإنسان أو كل الكون يعمل مصغراً لخدمة الإنسان بحيث يبدو أن كل الأشياء تعمل لنفع الإنسان لا لنفع ذاتها هذه الرؤيا لمركزية الإنسان لم تكن مقتصرة على الغرب فكانت متطورة جداً في العالم الإسلامي في القرن التاسع والعاشر وكذلك في اليهودية والهندية والبوذية كانوا يرون الإنسان مهماً للخطة الكونية ففي فكر هندي قديم على سبيل المثال كانت وجهة النظر العامة رؤية اتحاد روح الإنسان وتكاونهما وهي رؤية واسعة وشاملة للطبيعة حيث يكون الفرد العاقل أو الإنسان المفكر صاحب المكان الأبرز ووفقاً للمفكر الكومفوش لوسين بالقرن الحادي عشر شاو يونك الإنسان مركزياً في الكون والدماغ والعقل مركزيٌ في الإنسان فالإنسان يحتل أشرف الأمكنة في خطة الأشياء لأنه يجمع في نفسه مبادئ كل الأشياء وطبيعة كل الأشياء تتكامل في الكائنات البشرية وواضحاً أن فكرة مركزية الإنسان في الكون فكرة عالمية لأن كل الصحفات البشرية عبرت عنها كما يلخص جون براو وفرانك تلرا إن فكرة البشرية مهمة للكون وفي الحقيقة أن فكرة العالم المادي خلق لأجل الإنسان هي الفكرة الإنسانية المركزية وإن الكون خلق لأجل الإنسان وجدت في الكثير من تقاليد الثقافات بحيث يمكن أن تكون عالمية وببحث سريع في الأدبيات الإنسانية نجد أن مفاهيم الفلسفية في هذه يدافع عنها في الحضارة المايا وحضارة المكسيكيين القدماء والسومريين والبانتو وقدماء المصريين والحضارة الإسلامية الفارسية والحضارة الصينية ومن الجدير بالملاحظة أن نرى أنه مجرد خمسة قرون فقط تفصل بين الرؤية العامة المشككة للغرب في هذه الرؤية الفلسفية العميقة للحقيقة.

وإن الرؤية مركزية الإنسان في المسيحية في قرون وسطى لها تميز بل هي الأكثر تميزاً من كل افتراضات البشر.

فهي النظرية النهائية وبمعناً حقيقي الإدراك الأعلى. فلا توجد نظرية أو مفهوم يمكن تصورها للإنسان تعالج في الجرأة والمبالغة هذا الادعاء الكبير أي أن كل شيء يدور حول وجود الإنسان وكل السماوات المليئة بالنجوم وكل أنواع الحياة وكل صفات الحقيقة وجدت في الجنس البشري وجدت وفي الجنس البشري لوحده وهذه ببساطة الفكرة الأكثر جرأة على الإطلاق.

ولكن يمكن أن نلاحظ وبشكل واضح أنها مع جرأتها تختلف اختلافاً بيناً عن الأساطير قبل انتشار العلم المرفوضة ففي الحقيقة لا يوجد أي ملاحظة يمكننا أن نزيح فيها هذه الفرضية واليوم بعد أربعة قرون من الثورة العلمية لا يزال هذا المفهوم الفلسفي يعاود الظهور وفي هذه العقود الأخيرة من القرن العشرين تزداد قيمة هذا المفهوم بمركزية الإنسان عبر الاكتشافات في العديد من فروع العلم الأساسي.

انتهى هذا التسجيل وصلنا إلى الصفحة الرابعة من الكتاب.

الجزء الأول الحياة

الفصل الأول انسجام العوالم

في هذا الفصل تلخص أدلة الفيزياء والفلك التي تشير إلى أن قوانين الفيزياء قد ضبطت بدقة شديدة لتناسب الحياة المعتمدة على الكربون.

إن مناسبة الكون كمهاد للحياة يعتمد على عدد من العوامل، منها تناسب القوى الأساسية الأربعة (الجاذبية، الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة والقوية)، وسرعة تمدد الكون، وفواصل وتواتر الانفجارات النجمية (السوبرنوفا)، ومستويات الطاقة النووية لبعض الذرات...إلخ.

إن لم تكن هذه العوامل دقيقة جداً كما نجدها فبالتأكيد لا يمكن لحياة تعتمد على الكربون أن توجد.

سبق لكثير من المؤلفين أن غطوا هذا المجال من الحوار ولكنه جديرٌ بأن يعاد ذكره وهو يشكل مقدمة تناسب منهج هذا الكتاب.

كما رأينا في الفصول السابقة إن كثيراً من الصفات النوعية والقوانين تبدو أنها تم اختيارها بعناية في تركيب الكون؛ وبسبب تناسبها مع بعض في المقدار والقانون الذي يشير عليه والذي تم اصطفاءه يكون بناء الكون الذي نراه ويكون ملائمته لدعم النبات والحيوان بطريقة ما كانت لتوجد لو اختلفت خصائص العناصر عمّا هي عليه. ويليام وهيول، أسرار جسر الماء، 1833.

وهذا يعرفنا بمقدار دقة غاية خالق الكون، فبالتعبير الرياضي: دقة تعادل جزء من جزء، وهذا الرقم الهائل لا يمكن كتابته بصيغة عشرية لأنه سيكون رقم واحد متبوعاً بـ صفراً متتالياً. ولو كتبنا صفراً على كل بروتون وكل نيترون وأضفنا أصفاراً لكل الدقائق الذرية الأخرى في الكون لتوسيع قدرة الحساب لنفذت هذه الدقائق الذرية كلها قبل أن ننتهي من كتابة الرقم المطلوب.

روجر بينروز، عقل الامبراطور الجديد 1989 لاحظ الفلكيون في الصين في عام 1054م حدثاً سماوياً رائعاً، إذ ظهر فجأة في برج الثور نجم جديد ثاقب الضياء، وكان تألقه شديداً لدرجة أنه كان يرى في وضح النهار ويعادل ضوءه في الليل ضوء القمر عندما يكون بدراً.

ويربط العالم الفلكي كارل ساغان هذه الملاحظة الفلكية في الصين بما رآه هنود الهوبي في أمريكا في الطرف الآخر من الكرة الأرضية فقد سجل هؤلاء أيضاً هذا الحادث الفلكي الفريد: وجدت حضارة قوية في الجهة المقابلة من العالم عند جنوب غرب أمريكا وكانت غنية بالتراث الفلكي، حيث شاهد الهنود هذا النجم الجديد المتألق بشدة، ولدى اعتماد طريقة قياس التاريخ بالكربون 14 من بقايا نار مشتعلة تم التثبت أن الحادث الذي سجله الهنود الأمريكيين وقع في منتصف القرن الحادي عشر.. فإن أسلاف هنود الهوبي عاشوا في سلسلة نائتة التضاريس تسمى حالياً نيو ميكسيكو، وقد رسم أحدهم على صخرة ناتئة محمية من تأثير العوامل الجوية صورة هذا النجم الجديد. وأظهر موقعه النسبي مقارنة بموقع الهلال أنه يطابق الحساب الفلكي الذي قدر مسبقاً.

إن ما رآه هنود الهوبي في أمريكا، وفلكيو الصين هو المتجدد الأهظم (السوبر نوفا) وهو من أكثر الظواهر الفلكية عنفاً وقوة.

يحدث السوبر نوفا عندما ينتحر النجم في انفجار عملاق يشتت كل مادته وطاقته في موجة هائلة جداً تمر عبر الفضاء المحيط به.

وقد أدركنا نتيجة التطورات الحديثة في علمي الفلك والفيزياء والتي حدثت خلال نصف القرن الماضي: أن موت النجوم في هذه الانفجارات الذاتية الضخمة يتصل جوهرياً بوجودنا ككائنات حية على كوكب الأرض.

لأن كل العناصر الضرورة للحياة من كربون 2 و نتروجين N وأوكسجين O، حديد Fe .. إلخ تصنع في تلك الأفران النووية في باطن النجوم، ولكي تتراكم هذه العناصر في الكواكب الصخرية ككوكب الأرض يجب أن تتحر من باطن النجوم وتنتشر بشكل عريض عبر الكون.

إن هذا التحرر والانتشار المصيري للبنات الحياة الأساسية هو أحد نتائج انفجار السوبر نوفا، فتولد الحياة بموت النجوم.

  • الضبط الدقيق لمركزية الحياة في الكون:

دفعت الحقائق التي ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة في علم الفيزياء والكونية وعلم الفلك الكثير من الفيزيائيين لتبني مقولة أن الكون يبدو كأنه قد ضبط بدقة ليناسب الحياة. تم عرض الدليل والنقاش الخاص بضبط بناء الكون لمناسبة الحياة مرات عديدة سابقاً (انظر مقدمة كتاب (الكون بالصدفة) لدافيس) ولهذا لن أعرض لنقاشها بالتفصيل مطول هنا، ولكن نظراً لأن هذه الأدلة تشكل أساساً يعتمد عليه نقاش المسألة في البيولوجيا فسيكون مراجعتها باختصار أمراً يناسب الكتاب. تلعب انفجارات السوبرنوفا دوراً آخر ضروري لوجود الحياة، إن قد تكون الموجات الصادمة الصادرة عن الانفجار ضرورية لبدء تكثف الغبار والغاز ما بين النجوم لتشكيل أنظمة كوكبية كنظامنا الشمسي. من المؤكد أنَّ الذهول سيصيب مراقبي النجوم في الصين وأمريكا إنْ علموا أنه بدون نجوم تماثل النجم الغريب الذي رأوه والذي أضاء بقوة السماء في تلك الليلة من ليالي تموز، بدون هذه النجوم المنفجرة من يوجد فلكيون ولا مراقبي نجوم ولا كوكب الأرض وربما لن توجد حياة من أي نوع.

كما أن الانفجارات النجمية من نوع السوبر نوفا ضرورية لوجود الحياة إذ بدونها لن توجد أياً من اللبنات الكيماوية اللازمة للحياة على سطح كوكبٍ كالأرض؛ فإنها ظواهر شديدة التدمير تقضي على كل حياة في الأنظمة الشمسية القريبة منها.

إن المسافات بين الانفجارات النجمية وبالحقيقة بين كل النجوم مسافات حرجة لأسباب أخرى أيضاً؛ فالمسافة بين نجوم مجرتنا تساوي 30 مليون ميلاً بالقتريب، ولو كانت أقصر من ذلك لاضطربت أفلاك (مدارات) الكواكب. وبالمقابل لو كانت المسافات بين النجوم أبعد لذهب الحطام الناشئ عن انفجار النجوم هباءً في الكون وكل الاحتمالات الممكنة لن يتشكل منه أنظمة كوكبية كنظامنا الشمسي مطلقاً.

ولنحصل على كونٍ يشكل بناءً يناسب وجود الحياة فيه، يجب أن يحدث ومضان النجوم المنفجرة بنسب دقيقة جداً وبمسافة معتدلة فيما بينها. بل بمسافة مناسبة بين كل النجوم. هذا التواتر وهذه المسافة قريبان من القيمة التي نراها في الواقع. وبالإضافة لهذا ثبت أن انتاج العناصر الرئيسية اللازمة لحياة معتمدة على الكربون يحتاج بالإضافة إلى مستويات الطاقة الهائلة لتتشكل في باطن النجوم، يحتاج أمراً آخر أساسي يبدو كمجموعة من الشروط الأخرى شديدة الضبط موجودة في البنية الذرية لذرات معينة وبالأخص مستويات الطاقة الذرية لذرات البريليوم 8 والكربون 12 والأوكسجين 16 تؤثر مستويات الطاقة هذه على تصنيع ومقدار توافر الكربون والأوكسجين وعناصر اخرى أثقل منهما وكلها أساسية لوجود الحياة. ولو أن مستويات الطاقة هذه انحرفت بمقدار ضئيل جداً فلن يصنع الكربون والأوكسجين اللازمين لبناء الحياة. وقد كلف بأول دافيس في كتابه (الكون بالصدفة) على اعتماد تصنيع عناصر رئيسية للحياة على مجموعة من الشروط النوعية جداً.

ويرى العالم الفلكي والفيزيائي فريد هويل قضية تصنيع الكربون الأوكسجين المتوافقان مسالة بديعة جداً وكأن الأمر (عمل قد قدر بخطة مسبقة) وبخصوص الرنين النووي ذي الموضع الحساس يقول:

فإن كنا بصدد صنع الكربون والأوكسجين بكميات متساوية تقريبا ًمستخدمين التصنيع النووي النجمي، سنجد أن هذين المستويين من الرنين النووي هما ما يتوجب ضبطهما، وإن ضبطناهما سنضطر إلى ضبطهما إلى المستويين الذين نراهما في الواقع الحالي.. يفرض التعليل المنطقي للوقائع وجود تدخل حكمة بالغة في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، كما يفرض المنطق عدم وجود قوة عمياء تستحق الذكر في الطبيعة بدل التصور الدقيق الناشئ عن علم الفيزياء الحديث وعلم الفلك الحديث على أن إمكانية تشكل العناصر الكيميائية اللازمة للحياة وتشكل الأنظمة الكوكبية القادرة على دعم وجود الحياة واستمرارها لملايين السنين تعتمد إمكانية هذا الوجود على التركيب العام للكون وكل القوانين الطبيعية التي نراها الآن وبدقة شبه تامة.

يميز علماء الفيزياء أربع قوى أساسية في الوجود، وهذه القوى الأربعة هي ما يحدد بشكل رئيسي طريقة تفاعل أي جزء من المادة أو الأشعاع مع غيره، وبالمحصلة فإن هذه القوى تحدد الصفات الرئيسية للكون. وهي قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، القوة القوية أو النووية والقوة الضعيفة والصفة الفريدة لهذه القوى الأساسية الأربعة أن درجة قوة كل منها تختلف كثيراً جداً بدرجات كثيرة من المقدار. وفي الجدول التالي نذكر الوحدات المعيارية الدولية. قوى الطبيعة: قوة الجاذبية = 5.90 × 10 مرفوعة للقوة السالبة 39 القوة النووية أو القوية = 15 القوة الكهر مغناطيسية = 3.05 × 10 مرفوعة للقوة السالبة 12 القوة الضعيفة = 7.03 × 10 مرفوعة للقوة السالبة 3

إن الفرق الشاسع بين قوة الجاذبية والقوة النووية بمقدار 38 قوة أسية حقيقية جوهرية في خطة بناء الكون، فهذا الفرق ضروري لوجود النجوم المنتصرة والنظم الكوكبية. فإذا كانت قوة الجاذبية أقوى بترليون مرة سيكون الكون أصغر حجماً بكثير من حجمه الحالي، كما سيكون عمره قصيراً جداً. إذ ستكون كتلة نجم متوسط وفق هذا الافتراض أقل بترليونات من المرات من كتلة الشمس الحالية وسيكون عمرها حوالي سنة واحدة، وهي حياة قصيرة جداً للنجم لا تكفي لتقدم الحياة وازدهارها. وبالغرض المقابل لو كانت الجاذبية أقل قوةً مما هي عليه الآن فلن يتكون أيّ نجم أو أية مجرة. وكما يشير هاوكينغ: إن نمو الكون، الذي يشارف على الانهيار والتوسع الخارجي الذي لم يستطع الإنسان قياسه بعد، هو بالسرعة المناسبة التي تسمح بتكون المجرات والنجوم. وليست المعادلات والقيم الأخرى بأقل أهمية، فلو كانت القوة القوية أقل بقليل من مقدارها الحالي فإن العنصر المستقر الوحيد سيكون الهيدروجين وسيتعذر وجود أي ذرة أخرى. ولو كانت القوة النووية أكثر بقليل نسبةً للقوة الكهرومغناطيسية فسيكون المظهر الكوني المستقر هو ذرة النواة الحاوية على بروتونين مما يعني فقدان الهيدروجين وبالتالي ستكون النجوم والمجرات، إن تشكلت، مختلفة عما نعرفه تماماً. ويتضح بجلاء أنه إذ لم تكن القوى والثوابت الكونية المختلفة بمقدارها الحالي بدقة فلن يوجد نجوم ولا نجوم متفجرة (سوبرنوفا) ولا كواكب ولا ذرات ولا حياة كما يلخص ذلك باول دافيس:

إن القيم العددية التي نجدها في الطبيعة للثوابت الرئيسية من مثل شحنة الالكترون وكتلة البروتون وثابتة نيوتن للجاذبية قد تبدو غامضة، ولكنها أساسية الصلة لبنية الكون الذي ندركه. وفهمنا للكثير والكثير من النظم الفيزيائية من الذرات إلى المجرات بدأ العلماء يدركون بأن صفات كثيرة لهذه النظم حساسة بشكل مذهل للقيم الدقيقة للثوابت الرئيسية، ولو أن الطبيعة أثرت مجموعة مختلفة قليلاً من الأرقام فإن العالم سيكون مكاناً مختلفاً جداً عما عهدناه، ولربما لن نكون موجودين لنراه.

بل إن تواطؤ الأرقام يبدو أكثر في بنيات أساسية معينة كالنجوم المشابهة للشمس حيث تعتمد صفاتها المميزة على صدف رقمية غير محتملة تجمع فيها بين الثوابت الأساسية من فروع متباعدة من الفيزياء. وعندما يقرر شخص أن يدرس علم الفلك، البنية العامة وتطور الكون، يتزاي الشعور بالريبة! إن الاكتشافات المؤخرة عن الكون الابتدائي تجبرنا على قبول فكرة أن الكون الأخذ بالتوسع قد أعدَّ لهذه الحركة بمعونة دقة مذهلة. وبالملخص؛ إن قوانين الفيزياء توافق الحياة بشكل هائل، ويعطي الكون كل مظهر يؤكد أنه قد صمم بشكل خاص وملائم لهذه الغاية، ضمان نشوء جيل من النجوم المستقرة والنظم الكوكبية، وضمان أنها متباعدة بمقدار يجنبها التداخل الجاذبي بينها والذي قد يسبب عدم استقرار مدارات الكواكب، ولتضمن وجود الفرن النووي في داخل النجوم حيث يتحول الهيدروجين إلى العناصر الأثقل الضرورية للحياة، ولتضمن أن نسبة من الكواكب ستتحول إلى سوبرنوفا تنفجر لتحرر عناصر أساسية في الفراغ ما بين النجوم. وهذا ضروري لضمان كون عمر المجرات أطول بمرات من متوسط عمر النجوم فبهذا فقط تجد الذرات المتناثرة الناجمة من الجيل السابق من تجرم السوبرنوفا الوقت لتتجمع في أنظمة شمسية الجيل اللاحق من النجوم في أية مجرة. ولضمان توزع وتواتر انفجارات السوبرنوفا باعتدال لا يشتد فيفرق أسطح الكواكب بحميم الأشعة القاتلة مراراً ولا يقل بحيث نفقد الذرات الثقيلة المصنعة في السوبرنوفا والمتجمعة على سطح الكواكب المتكونة حديثاً، ولضمان أن يكون اتساع الكون بشموسه التي تعد بالترليونات وما يرافقها من أنظمة كوكبية تشكل معرجاً عملاقاً يكفي لظهور الحياة وتقدمها وكذلك الوقت الكافي لهذا. وهكذا نتجه إلى استنتاج مفاده أن الحياة ووجودنا البشري قد مر عبر سلسلة متسعة وطويلة جداً مما يظهر أنه تأقلمات تتمركز حول الحياة أثناء تصميم الكون، وبحيث يكون كل تأقلم قد أحكم ضبطه باتجاه الحياة كهدف. ومما تقدم يثبت لنا دون أدنى شك وجود الصلة الغائية بين مراقبي النجوم في الصين والنجم الجديد الذي انفجر في تلك الليلة من تموز من عام 1054م. ولا توجد أي إمكانية ليتحمل تصميم الآلة الفلكية أي تغير، فلكي نوجد هنا لابد لتصميم الكون أن يكون كما كان وبدقة متناهية. وقد طرحت الصورة الجديدة الناشئة من علم الفلك في القرن العشرين تحدياً كبيراً للافتراض الذي ساد الدوائر العلمية سحابة القرون الأربع السابقة، هذا الافتراض مفاده أن الحياة مجرد ظاهرة ممكنة الحدوث وثانية في الخطة الكونية. هذه الاكتشافات الحديثة في الفلك والفيزياء أثبتت ما كان لدى نيوتن وأجيال من المفكرين الطبيعيين مجرد إصرار على اعتقاد: أن هنالك حقيقة صلة ضرورية وعميقة بين كل مظهر على مسرح الكون تقريباً وبين قصة الحياة. ومن التناقضات الساخرة أن تكون مظاهر الكون التي كانت توحي بأن الأرض مجرد هباءة في الوجود، هي نفسها المظاهر التي ثبت أنها ضرورية جداً وأساسية لوجود الإنسان، هذه المظاهر الكونية من سعة الكون الهائلة والعدد اللانهائي للنجوم في هذه المساحة الواسعة قد حيرت فلكيين القرن السابع عشر وجعلت كبلر يتساءل "كيف تكون كل الأشياء مسخرة للإنسان؟". لقد قدم علمي الفلك والفيزياء الحديثيين الدليل نفسه الذي تاق إليه المفكرون الطبيعيون في القرن السابع عشر ولم يوافقهم النجاح في زمنهم بسبب معطيات العلم آنئذ. وهذا نراه في هذه الفقرة القصيرة من الكتاب الشهير لريتشارد بنتلي (مجابهة بين الإلحاد ومنشأ و إطار العالم) والمصادر في عام 1692، وهذا الكتاب صدر بإرشاد من نيوتن ولعله يمثل موقفاً قريباً من موقفه؛ ولنجيل الفكر والخيال الآن في إطار نظامنا، إن كنا نرى أثراً ظاهرة للرحمة والفضل الإلهي.. إذ ما كنا نرى أنه يتم بطريقة ثابتة وموحدة دائماً يدفع بنا إلى أن نتصدر بأنه ليس بالإمكان أن يتم هذا إلا بهذه الطريقة (ليس بالإمكان أبدع مما كان) وهذا خطأ كبير وعائق في طريق البحث في الطبيعة: ولعلاج هذا التوجه الخاطئ علينا أن نفترض بأن كل شيء لم يوجد، ونجتهد في اختبار مسألة هل ضروراته اللازمة في هذا الوجود على الإطلاق أو ما هي الطرق الأخرى التي يمكن أن يوجد عليها الكون حالياً. فإن وجدنا أن التركيب الحاضر أكثر نفعاً وخيرية من حالتي فقدان هذا الشيء أو استبداله بأطر وبنى أخرى تملك نفس الإمكانات فعندها يمكننا منطقياً الاستنتاج بأن التكوين الحالي لم توجد حتمية أسباب مادية أو رمي بالصدف العمياء المتوهمة ولكن أحدثه موجود حكيم وراحم وصنعه وفق إرادة وحكمة. ويتأكد هذا إن كانت المنفعة ظاهرة في أكثر من شيء أو عدة أشياء بل في سلسلة أمور مربكة وعديدة فهذا سيعطينا يقيناً قوياً غير قابل للخطأ بأننا لم نقبل حكماً غير صحيح (التأكيد في النص من دنتون). وسيكون اعتماد العلة الغائية أضعف بكثير لو أن وجود الحياة يتوافق مع طيف أوسع من قيم الثوابت الأساسية وبكلمة أخرى إن احتمل تصميم الآلة الفلكية وجوداً آخر مختلف بدرجة يسيرة مع بقاء قدرته على دعم الحياة. إن حتمية وجود الكون كما هو عليه الآن مضبوطاً بدقة شبه مطلقة في سلسلة أمور طويلة وعديدة هو الذي يعطي الزخم القوي للقول بالعلة الغائية.

وعبر دافيس عن هذه القوة للقول بالعلة الغائية في الفقرة النهائية من كتابة النسخة الكونية The cosmic blueprint "إن الانطباع بوجود التصميم في الكون قاهر" وليس باول دافيس متفرداً في هذا الرأي، بل يشاركه العديد من علماء الفيزياء والفلك المشهورين ومنهم على سبيل الذكر: برادوز كارتر، فريحان ديزون، جون ويلير، جون بارو، فرانك يتبلر، سيرفريد هويك؛ وقد أشار جميع هؤلاء العلماء في كتب صدرت مؤخراً إلى فكرة تقضي بأن نمط الحياة المعتمد على الكربون لا يمكن أن يوجد إلا في كون شديد الاصطفائية ولو أن قوانين الفيزياء كانت مختلفةً بشيء يسير جداً لاستحال وجود الإنسان. فليس من المستغرب مع قوة هذا الدليل أن نلاحظ وجود اتجاه قوي في الرأي ضمن الأوساط العلمية تقبل الدفاع عن فكرة تمحور الكون بطريقة ما حول الحياة بقوة وأنه يعطي كل مظهر يؤكد أنه صمم خصيصاً ليوافق الحياة.


ونتيجة لهذه الاكشافات الأخيرة ظهر تيار من المثقفين بالعلوم الحديثة من فيزياء وفلك وكون يقبل بشكل كبير النظرة السابقة لمركزية الإنسان في الوجود، ويبتعد هذا التيار بشكل لا يخفى عن متابعة اتجاهات رفض العلة الغائية في الوجود التي طالما رافقت دوماً مع اكتشافات المعرفة العلمية لمعظم الفترة السابقة. وكما أسلفت سابقاً ليس هذا الكتاب بالمكان المناسب لإعطاء نظرة شاملة على المبدأ الإنساني أو لتعداد الموافقات الكثيرة في بناء الكون والتي تعطي الحياة إمكانية الوجود، كما أظهرها علمي الفلك والفيزياء في القرن العشرين. فقد أخذ هذا الموضوع حقه في العديد من الكتب العلمية التي صدرت مؤخراً. لقد عرضنا هذا الشرح المختصر للمبدأ الإنساني بهدف رئيسي هو توضيح أن ما ظهر أنه نصر لمد الشكوكية الرافضة لمبدأ وجود هدف لهذا الوجود والتي ربطت العقل الغربي بالقوة المادية البسيطة لفترة أربع قرون تقريباً قد انهزمت بشكل مؤكد في حقل رئيسي من تعود العلم على أقل تقدير. وأن تقديم هذا الشرح يشكل أيضاً مقدمة طبيعية لكتاب يبحث في دليل وجود النظام (التصميم) في البيولوجيا وهذا امتداد للموقف الإنساني بأكثر من اعتبار إلى ساحة علوم البيولوجيا. الانتقال من الفيزياء إلى البيولوجيا. قد نسأل لمَ تأخرت البيولوجيا عن الفيزياء في إعادة اكتشاف العلة الغائية؟ لأن البيولوجيا والتي كانت متأثرة جداً بفيزياء القرن التاسع عشر التي لم تكن ترى مركزية الحياة بقيت متمنعة على الــتأثر بالاتجاهات الجديدة للنظرة الغائية ولمركزية الإنسان في أواخر القرن العشرين. ولازالت الرؤية السائدة في العلوم البيولوجية، إن الإنسان والحياة عبارة عن ظاهرة عرضية أساساً. وهذا الاختزال الطبيعي يود إلى الفكرة الدارونية عن التطور عبر الاصطفاء الطبيعي وكما يعبر عن ذلك سيتفن جي كلاود: الفرد العاقل أخشى أنه.. في الكوان الشاسع عبارة عن حادث تطوري غير محتمل بشكل كبير.. إن رؤية البيولوجيا الأكثر عمقاً في حالة الطبيعة البشرية وقيمتها يعبر عنها ببساطة، يتجسد بالعرضية الفرد العاقل جزء من كل وليس هدف سيء إليه.. وإن رغبت أن نسأل السؤال الذي حير الأجيال لماذا وجد الإنسان؟ ..... نحن نتاج التاريخ، ويجب أن نرسم مساراتنا في هذه الأكوان المختلفة جداً والمثيرة للانتباه التي ندركها ولا قيمة لمعاناتنا. إن الرؤية الإنسانية الجديدة للفيزيائي والنموذج العرضي الداروني الذي يسيطر على البيولوجيا الحديثة وجهنا نظر متعارضتين تماماً لهذا الكون ومع ذلك فإن الفيزياء التي قادت في القرن السابع عشر ستتبعها البيولوجيا أخيراً ومن المشكوك به أن تقاوم البيولوجيا طويلاً التيار المعاصر القائل بوجود غاية والمتماشي مع علوم الكون والفيزياء. هذا التيار الغائي يشكل تحدياً كافياً لبيولوجيا تعتقد بالوجود العرضي حتى لو كانت الموافقات اللازمة للحياة مقتصرة على مجال الفيزياء والفلك. ولكن الموافقات لا تقف عند حد انتشار نجوم السوبرنوفا أو مع الورنيش النووي لمستويات الطاقة لذرات الكربون والأوكسجين، بل تمتد إلى كل مكونات الحياة نفسها. إن التقدم بالكيمياء والكيمياء الحيوية والفيزيولوجيا والبيولوجيا الجزيئية والتي ظهرت في بدايات أواخر القرن الماضي وبالأخص في الخمسين عاماً الأخيرة قد كشفت عن مجموعة إضافية من التوائمات المترافقة أو الموافقات في الخصائص الكيميائية والفيزيائية للماء ولمكونات رئيسية أخرى للحياة وهذا بالضبط ما يتوقعه المرء أن يجده إذا كان الكون كلاً ينحدر حول الحياة كما يقول علم الفلك.

الفصل الثاني السائل الحيوي

نعرض في هذا الفصل لأدلة أن الماء يبدي بمختلف صفاته تناسباً مع نمط الحياة المعتمد على الكربون الذي يوجد على الأرض. فكل خصيصة من خصائص الماء الكيميائية والفيزيائية تظهر ملائمة بطريقة مثلى ليس فقط على مستوى الحياة المجهرية بل تلائم الكائنات الحية الكبيرة ذات الدم الدافئ كالثديات. وبالإضافة لدور الماء في إيجاد واستمرار البيئة المستقرة من الناحيتين الكيماوية والفيزيائية على سطح الأرض سندرس في هذا الفصل خصائص الماء الحرارية والتوتر السطحي وقدرته على حل العدد الواسع من مختلف أنواع المواد ولزوجته المنخفضة التي تسمح بدخول وخروج الجزئيات الصغيرة في الخلايا عبر الانتشار البسيط وتمكن خاصية اللزوجة المنخفضة على جهاز الدوران.

لو لم تكن خواص الماء تقريباً بهذه الدقة فإن احتمالية وجود الحياة المعتمدة على الكربون سيغدو مستحيلاً. بل إن لزوجة الثلج أيضاً موافقة لدعم الحياة، فلو كانت لزوجته أكبر فلربما احتبس ماء الأرض كله في صفائح ثلجية واسعة وثابتة في القطبين. ولو أن خواص الماء الحرارية اختلفت قليلاً سيتعذر الحفاظ على حرارة أجسام الكائنات دافئة الدم.

لا يوجد أي سائل آخر في الوجود له صفات قريبة من صفات الماء تجعله صالحاً كوسط مثالي لحياة معتمدة على الكربون.

وحقيقة الأمر أن خصائص الماء بمفردها تقدم دليلاً ربما يعادل ما قدمه علمي الفيزياء والكون لدعم الفرضية القائلة أن قوانين الطبيعة قد أحكمت بشكل خاص يناسب الحياة المعتمدة على الكربون.

[صورة الأرض...]


لو لم تكن كل مادة النباتات جميعها محررها الوحيد هو الماء؟ وبالتالي كل الحيوانات أيضاً، التي يتغذى جميعها إما بأكل العشب أو افتراس حيوان آخر يأكل العشب؟ ولو لم تبخر الشمس كمية هائلة من الماء تملأ الجو الأبخرة والغيوم لتسقي النباتات بيلسم الندى... قد يتراءى لك لأول وهلة أنه من غير الممكن أن يدور الدم في أجسامنا في برهة قصيرة لا تعدو دقائق، ولكني اعتقد أن ما يثير الدهشة أكثر أن نعلم الفترات السريعة والقصيرة لدورة الماء الكبرى، فهو الدم الحيوي لكوكب الأرض الذي يكون ويغذي كل الأشياء. ريتشارد بنتلي "مجابهة الإلحاد بمنشأ وإطار العالم" 1692م.

Richard Bently, "A confrontation of Atheism from the Origin and Frame of the World" 1692

رغم شدة ألفتنا بالماء فلا تتوقف طبيعته عن إثارة دهشتنا بشكل مستمر. فالماء يطور السائل يتساقط على سطح الأرض ويتجمع في تجمعات تتراوح في حجمها من المحيطات العظيمة إلى البحيرات الصغيرة إلى البرك البالغة في الصغر. أما حركة الماء فكذلك قد يمهله بعنف هابطاً من شلال ضخم. أو يسير هادئاً في نهر ناضج يتعرج عبر أحد السهول. وتدفع الريح الماء على سطح التجمعات الواسعة منه فتثير الأمواج الكبيرة والصغيرة، تشكل قطيرات الماء نسيج الغيوم، والقطرات الأكبر بقليل تتساقط من الغيوم عبر الجو مطراً إلى الأرض. أما في طوره الصلب فيسقط ثلجاً يغطي الأرض بالبياض ويشكل صفائح الجليد العملاقة في المناطق القطبية ويشكل أنها الجليد في وديان الجبال كما يصنع النماذج المتجلدة على زجاج النوافذ في الشتاء.

أما في خطوط العرض البعيدة فيشكل الماء المشهد الكلي للأرض حيث نرى الغطاءين الثلجيين على حافتي القارتين القطبيتين وتطواف جبال الجليد في بحر رمادي مائج وبارد كالثلج. وتحمل الريح الرذاذ من أعالي الأمواج فيتجمد لتوه بحرارة دون الصفر ويتحول إلى ذريرات ثلج تنثر كالشظايا على رفوف الثلج القريبة.

أما أصوات الماء فليست أقل تنوعاً فهنالك إيقاع الأمواج المتلاطعة وهدير الشلال الذي يصم الأذان وخرير الجداول في الجبال وقرع مطر الصيف الناعم وجلجلة اصطدام حبات البرد بسطح معدني وأصوات السحق أثناء تقدم نهر جليدي وهزيم الرعد المرافق للانهيار الثلجي. رغم تفرد الماء بهذه المظاهر الشتى الفريدة حقاً. سنرى أنها لا تقارب بروعتها وغرابتها الطرق المتعددة التي يتأقلم بها الماء لدرجة مثالية وفريدة أثناء قيامه بدوره البيولوجي كوسط أو نسيج للحياة فوق هذه الأرض. لقد اعتبر الماء دوماً ذو أهمية خاصة، أي أنه قد ثبت لدى البشر ضرورته الثابتة لقيام الحياة منذ أقدم العصور، وقد استثمرت كثير من الحضارات هذا الأمر وأعطت الماء خصائص سحرية تعطي الحياة. من المناسب أن لذكر أن طالس Thalus أول فلاسفة الأغريق ارتأى أن يبني علمه على فرضية أن الماء مصدر كل شيء، كما أن نبتلي هذه الرؤية بوصف الماء بأنه "الدم الحيوي للأرض". يوفر الماء النسيج السائل الذي وتجري ضمنه كل الأنشطة الكيماوية والفيزيائية الحيوية، والتي يعتمد وجود الحياة عليها، فبدون الماء يستحيل وجود الحياة التي نراها على الأرض. ولو شبهنا الأنشطة الحيوية للخلايا بحركات الأحجار على رقعة الشطرنج فإن الماء يمثل الرقعة؛ وطالما من المستحيل أن تلعب الشطرنج دون رقعة، فمن غير الممكن أن توجد الحياة بلا ماء. والماء أيضاً يشكل معظم كتلة أغلب الكائنات، فغالبيتها تتركب من نسبة أكبر من 50% من الماء، أما الإنسان فيشكل الماء أكثر من 70% من وزنه.

  • حتمية السائل:

لا يمكن اعتبار بناء الحياة اعتماداً على الوسط السائل مجرد صدفة من الصعب تصور وجود أي نوع من النظام الكيميائي المعقد القادر على تركيب ونسخ ذاته، والتعامل مع الذرات والجزيئات المكونه له، وتحصيل المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته – بكلمة أخرى نظام يبدي الخصائص التي نصف بها الحياة – من الصعب تصور وجوده إلا في وسط سائل. وكما أشار "أ. إي يندهام" في كتابة "فرادة المواد البيولوجية" إذ الطورين الأخريين للمادة؛ الطور الصلب، والطور الغازي يجب استبعادهما لأسباب وجيهة جداً. ففي حالة الطور الصلب سواءً البلوري أو الزجاجي حيث البلوري قد ثبتت ذراته في مصفوفة كريستالية منتظمة والزجاجي قد حشرت الذرات بشكل غير منتظم، كلاهما يجعل الذرات تتصل بشكل غير مستقر مع جارتها من الذرات مما يقلل من احتمال حدوث العمليات الحركية الجزيئية الضرورية لحدوث الحياة. وبالمقابل نجد أن الغازات تتألف من ذرات حركة الحركة وهكذا لا تصلح الغازات لتكن مرشحاً في تكوين نسيج الحياة الكيماوي لشدة تطايرها وعدم استقرارها. نعلم جميعاً أن الغيوم والكتل السديمية عن قطيرات صغيرة سائلة، أو بالمصطلح الأكثر دقة علمياً "غرويدات سائل في غاز معزولة" هذه الغيوم تشكل استثناءً من القاعدة القائلة بأن انفصال وحدات فرعية غير معتاد في حالة الغاز. على كل الأحوال فإن سرعة زوال نماذج الغيوم بيانياً يوضح عدم ملاءمة الغاز ليكون وسطاً يدعم وحدات فرعية مستقرة.

ولو أن قوانين الفيزياء حصرت المادة في طورين صلب وغازي وألفت الطور السائل، فمن المؤكد أن الحياة ما كانت لتوجد غالباً. وقد عرفنا الحياة سابقاً بأنها: نظام كيماوي معقد قادر على تركيب ونسخ ذاته والتعامل مع أجزاء، وجلب المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته.

ومن الملاحظات المثيرة ما كتبه جون فون ثيومان أحد رواد الكمبيوتر في كتابه "نظرية إعادة الإنتاج المؤتمتة" فقد تصور الألة الناسخة لنفسها ميكانيكياً طافيةً على سطح لجيرة لا نهائية وقد غطى سطحها كل المكونات الأساسية المطلوبة لعملية إعادة نسخ الذات، أي بتعبير آخر عاشت هذه الآلة الخيالية في وسط سائل.

ولأن نتيجة المناقشة حول ملاءمة الماء للحياة تظهر بشكل تراكمي وتحتاج إلى تأمل متأن نسبياً لكل توافق فردي للماء بحيث يناسب الماء مثالباً دوره البيولوجي، فمن المهم أن لا نحذف أي تأقلم ولو كان معروفاً للجميع وهكذا نعرض الأدلة بشكل شامل قدر المستطاع وببعض التفصيل.

  • خصائص الماء الحرارية الفريدة:

من الأمور الطريفة أتت حتى فترة متأخرة من نهايات القرن الثامن عشر بعد أن اكتشف انطون لافوازيه التركيب الكيماوي للماء وأثبت أنه مركب من ذرتين هيدروجين مرتبطتين بذرة أوكسجين واحدة. ثم ندرك آنئذ الخصائص الكيماوية والفيزيائية النوعية للماء بشكل يكفي للنظر في مسألة ملاءمة الماء نوعياً للحياة. ويظهر ضآلة ما كان معروفاً من خصائص الماء في فترة 1800 من هذه الفقرة من كتاب بالي "الأدلة" evidences حيث سلم بأن، بخصوص العناصر.. تلك الأشياء المنتظمة، والتي عند انتظامها نعترف بجهلنا، ويتابع فكرته بنقل اقتباس من كاتب أسبق منه لاحظ ما يلي: نعلم أن الماء قادر على الغليان.. وعلى التجمد.. وعلى التبخر.. ولكن مع جهلنا ما هو الماء. وكما يلاحظ بالي حتى بعد اكتشاف لافوازيه؛ "رغم ما بدى من اكتشاف أجزاء الماء وفق جهة من الاعتبار، فإني اعتقد أننا لا نستطيع أن نستفيد من الماء مؤخراً بعد هذا الاكتشاف.

جاءت أول ملاحظة مهمة عن ملاءمة الماء من قبل ويليام وهويل عميد كلية الترشي فيه Brid gewotue traits بعنوان النظر أو الفلك والفيزياء العامة مقارنةً بالفكر الديني "اللاهوتي". وقد صدرت 1832، وقد ساعدت زيادة المعرفة العلمية السريعة خلال الثلاثين عاماً وهوبل على طرح أول نظرة منهجية عن ملاءمة الماء للحياة. وقد قدم وهويل أول نظرة منهجية وهامة عن تفرد الماء بملاءمة الحياة رغم أن عرضه لخصائص الماء عليه عدم الوضوح ولم يكن كافياً مقارنة ً بالمنظور المعاصر. كما أنه قصر بحثه على الخصائص الحرارية للماء وتناسبه الظاهر مع جودة المناخ، فإنه قدم دفعاً كبيراً لكتاب "الأدلة" لبالي ، ويقول في بداية ذكره لخصائص الماء الحرارية: يتمدد الماء بالحرارة ويتقلص بالبرودة [ولكن استمر هذا التقلص حتى الوصول إلى درجة التجمد]... فإن الانقسام السفلي من الماء ستتجمد أولاً ومجرد أن تتجمد لأول مرة من الصعب جداً وعلى أي حرارة تطبق على السطح أن تذيبها.. وهذه حالةوجود وعاء يحوي الثلثج في أسفله والماء في أعلا قام لامفورد بجعل السائل العلوي يغلي دون ذوبان الكتلة المتجمدة في الأسفل.


ولو عمل قانون الماء الحراري بهذا الشكل لأصبح غير مناسبٍ لبحيراتنا وبحارنا على الإطلاق. .. فستحوي جميعها مهاداً من الثلج يزداد في كل مرة حتى تتجمد بالكلية، ولن نجد تجمعات مائية إلا تلك البرك الصغيرة الطافية على سطح هذه المخازن الثلجية بعد أن تذيب منها شمس الصيف والتي ستتجمد بسرعة في أول ليلة باردة.

ترى كيف تم تجنب هذا الأمر المعضل؟ يتم تجنب تجمد التجمعات المائية بالكلية عبر تعديل القانون الحراري للماء؛ عندما تقترب درجة الحرارة من هذا الحد. يتقلص الماء بانخفاض درجة الحرارة حتى يقارب درجة التجمد ولكن هنا...... يتمدد حتى يصل مرحلة التحول إلى ثلج، وهكذا يكون الماء بدرجة حرارة 4ْم قد تجمع في القاع مع الماء الأكثر برودة... وفوقه ... ومع الاقتراب من نقطة التجمد يرتفع الماء الأبرد إلى السطح حيث يتحول هنالك إلى جليد.. [ وهذا مجرد جزء من القصة]...ومن الأمور الغريبة الأخرى في قوانين تنظيم فعل البرودة في الماء، أن عملية التجمد بذاتها مفاجئة ويصحبها تمدد ملحوظ [وبالتالي سيطفوا الثلج على الماء].

ونتيجة لهاتين الصفتين الشاذتين للماء لا نجد الماء محتبساً في مهادات واسعة من الثلوج في قاع التجمعات المائية، وندرك اليوم أن الماء يتفرد بهاتين الصفتين الخاصتين، هذه الحقيقة كنا نجهلها في عام 1832 كما يقر ويلويل: (لا نعلم إلى أي درجة تتصل قوانين التمدد هذه أو تعتمد على خصائص أعمق وأعم تخص هذا السائل أو كل السوائل). ومن الملاحظ أننا نجد صفتين مختلفتين تعملان معاً على تأقلم الماء ليناسب هدف حفظ التجمعات المائية السائلة على سطح الكوكب. من أهم التبصرات المثيرة التي اوردها وهويل فقرة يدل فيها على أن: (بعض خصائص الماء الحرارية التي تعطيه ملائمته الغريبة؛ كانخفاض كثافته تحت درجة 4ْم، وحقيقة كون الثلج أقل كثافة من الماء تظهر كمخالفة مفتعلة لما يبدو أنه قانون طبيعي: (إن تقدم عملية التجمد والذوبان، والتبخر والتكاثف تنتج حسب علمنا عبر وسيلة معينة. وحالة تجمد الماء من أعلاه، أو طوفان الثلج يبدو توسط نسب هذه التغيرات كنتيجة (لمخالفة) القانون الطبيعي: أي القانون الذي يكون قاعدة بسيطة تخص تأثيرات تغير درجة الحرارة، ويبدو لوهلة أنه (القانون) الذي نراه لبساطته القانون الأكثر وضوحاً لهذه ولغيرها من الحالات الأخرى، هذا القانون تم تعديله في نقاط حرجة معينة بحيث ينتج هذه التأثيرات النافعة). ويلخص وهويل استدلاله بنتيجة مفادها: (إن الخصائص الحرارية المختلفة للماء تشمل تمدده الشاذ دون درجة 4ْم وتمدده عند الدرجة التجمد ويساهم كلاهما بملاءمة الماء الرائعة للحفاظ على الماء بحالته السائلة ويظهران كصفتين مستقلتين متعاضدتين، ويتابع وندرك أن هذه الصفتين يمكن أن تكونا مختلفتين.

وفي قسم رئيسي من مطولاته يستنتج أنه حيثما رأينا عدداً من الظواهر الطبيعية يمكن لكلٍ منها أن يكون مختلفاً وتظهر لنا مرتبة بحكمة لمنفعة الأشياء فإن هذا يدل على وجود النظام (التصميم). وبكلماته التي تنتسب للقائلين بالعلة الغائية الطبيعية الكلاسيكية يطرح أمامنا المنطق الأساسي لهذا البرهان:

يتفق كل الفلاسفة الطبيعيين وربما يوافقون على أن.. عدداً كبيراً من الأشياء التي لا يوجد بينها أي اعتماد متبادل.. قوانين مختلفة.. البخار... يتجه بنسب مختلفة إلى الجو... الماء يتمدد عند التجمد ولكن الزئبق يتقلص.. تنتقل الحرارة بشكل مختلف عبر المواد الصلبة والمواد السائلة ولكل واحدة من المواد الخمسين (في وقت تأليف هذا الكلام) في العالم خصائص كثيرة.. وهي بمجموعها مختلفة عن خصائص أي مادة أخرى.. فيمنك أن توجد عدد من الأشياء بشكل مغاير لما نراه.. مواد ربما توجد على أي شكلٍ، توجد بالضبط بهذا الشكل الذي نعرفه.. بالوضع الذي يجب أن تكون فيه لتضمن منفعة الأشياء الأخرى.. وعولت القوانين لتلائم بشكل جماعي الطريقة الوحيدة التي يصلح أن يستر عليها العالم.

وبعد وهويل جاء أهم تناول لمسألة ملاءمة الماء الفريدة من قبل لورنس هندرسن ولعل هذه المداولة الأكثر قيمة حتى الوقت الراهن، ولورنس هو أستاذ الكيمياء البيولوجية في جامعة هارفارد، وذلك في الكتاب الكلاسيكي ملاءمة الطبيعة the fitness of the environment الصادر عام 1913 ويتذكر الطلاب الكيمياء البيولوجية والطب هندرسن من معادلة هندرسن – هاليزلباخ. وكتاب: ملاءمة الطبيعة من أندر الكتب وأهمها وأكثرها تأثيراً في العلوم البيولوجية في العقود الأولى من القرن العشرين، وهو ما صرح به جوزيف نيدهام في كتاب: البيولوجي الشاك، Sceptical Biologist الصادر في 1929، ووصف نيدهام كتاب ملاءمة الطبيعة: (بلا شك هو المساهمة الأهم في فلسفة البيولوجيا في الربع الأول من القرن العشرين) وتم تأكيد هذه الرؤية مرة أخرى من قبل هارولد مورفيتز أستاذ الفيزياء الحيوية في جامعة بال في كتابه: السعادة الكونية والألم المحلي، الصادر في 1987 /cosmic Joy and Local Pain/ يختلف كتاب (ملاءمة الطبيعة) عن كتاب وهويل (الفلك والفيزياء العامة) في منحيين هامين، المنحى الكمي ومنحى المقارنة. ويزيد عليه بإيراد سلسلة أكبر من ا لتأقلمات، وقد أثبت هندرسون أن الماء لا يلائم فقط الحفاظ على استقرار الجو الأرضي بشكل أمثل، بل ويلائم وظيفة أخرى كمادة النسيج الأساسي للمادة الحية. يدرس كتاب (ملاءمة الطبيعة) الملاءمة الغريبة للحياة بالإضافة للماء، المكونات الكيميائية الأخرى الهامة للكائنات الحية، بما فيها ثاني أوكسيد الكربون، وحمض الكربوتيك، ومركبات الكربون عموماً.

منذ طبع كتاب هندرسون 1913 إلى الآن وبالأخص في الأربعين سنة الأخيرة تراكمت لدينا كمية واسعة جداً من المعارف الجديدة في الكيمياء والبيولوجيا الجزيئية وهذه المعرفة لم تؤكد بالطلبة موقف هندرسون فقط، بل امتد تأثيرها إلى درجة لم يكن تخيلها في عام 1913. لم يكن هدف هندرسون مجرد تقديم برهان يثبت وجود التصميم في الوجود (رغم أن استدلالاته يمكن استخدامها لهذا الغرض) ولكن هدفه كان مجرد الاستدلال على وجود مركزية للحياة في ترتيب الموجودات، وهي لا يمكن تجاهلها، رغم غموضها، وليثبت أن المكونات الرئيسية للحياة؛ بما فيها الماء، وثاني أوكسيد الكربون، والبيكربونات، تبدي ملاءمة توافقية مشتركة فريدة، من المتعذر تقريباً وجودها بين أي مجموعة أخرى من المواد الكيميائية، وبكلمة أخرى ليثبت أن: (الصفات الأساسية للبيئة مختلف العمليات الكيميائية، والفيزيوكيميائية التي تشكل الكائنات الحية، والصفات الكيميائية والفيزيائية للكرة المائية هي أكبر ملاءمة ممكنة لإقامة الحياة على الأرض). ويتابع معترفاً: (هذه ليست فرض مبتكرة، فلها تاريخ طويل مسبق بشكلها الأولي، وكانت مذهباً مألوفاً في القرن التاسع عشر، ولكنها تقدم نفسها مجلة جديدة نتيجة لتطور علم الكيمياء والفيزياء). وألمح هندرسون أثناء عرض أدلة ملاءمة الماء الفريدة للحياة إلى الخصائص الحرارية التالية:

1- الحقائق غير المعتادة (التي أشير لها سابقاً) تقلص الماء أثناء تبرده حتى قبيل التجمد بقليل، ثم تمددها حتى يتحول إلى ثلج، وتمدده عند التجمد وهذه صفات متفردة علمياً.

2- يتم امتصاص الحرارة من البيئة عند ذوبان الثلج أو تبخر الماء وتتحرر الحرارة عند حدوث العملية المعاكسة، وتسمى هذه الظاهرة بالحرارة الكامنة، ومجدداً نرى أن حرارة تجمد الماء الكامنة هي الأعلى مقارنة بالسوائل المعروفة، ففي مجال الحرارة الطبيعية ambient لا نجد غير الأمونيا (النشادر) بحرارة كامنة أعلى التجمد، أما الحرارة الكامنة لتبخر الماء فهي الأعلى مقارنة بجميع السوائل المعروفة في مجال درجات الحرارة الاعتيادية.

3- أن السعة الحرارية Thermal Capacity أو الحرارة النوعية Specifec للماء، والتي تعرف بأنها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، هي الأعلى مقارنة بمعظم السوائل الأخرى.

4- أن الموصولية الحرارية للماء، قدرته على نقل الحرارة، أكبر بأربعة أضعاف من أي سائل شائع.

5- الثلج والجليد لهما موصولية حرارية منخفضة. ولولا الصفات المذكورة في البند الأول سيتجمد معظم الماء الذي على الأرض بشكل ملائم في مهارات واسعة من الجليد في قاع المحيطات وستتجمد البحيرات بكلتيها من القاع إلى الأعلى في كل شتاء في خطوط العرض الأعلى، ودون الصفات التي ذكرت في البند الثاني، سيتعرض مناخ الأرض لتغيرات أكثر سرعة في درجات الحرارة وتختفي وتظهر البحيرات الصغيرة والأنهار بشكل مستمر. ودون ما ذكر في البند الثالث سيزداد الفرق بين الشتاء والصيف بعداً وتكون نماذج الجو أقل استقراراً وتقل قدرة تيارات المحيط الكبير كتيار الخليج الذي ينقل الأن كميات هائلة من حرارة المناطق المدارية إلى القطبين، ستقل قدرته على تعديل الفروق الحرارية بين خطوط العرض القريبة والبعيدة.

ودون ما ذكرناه في البند الثاني (الحرارة الكامنة) سيعسر على حيوانات الدم الحار التخلص من الحرارة الزائدة في أجسامها، وهذا ما صدم هندرسون بشكل خاص فهو تأقلم مهم مرتبط بتأثير الحرارة الكامنة على التبريد في حالة الحيوانات ذات الدم الحار، فكما أشار هندرسون (في الحيوانات التي تشبه الإنسان.. تكون الحرارة أهم منتج ينبغي طرحه، ويجب إزالة الفائض منها بشكل مستمر وبكميات كبيرة، وهذا العمل لا يمكن أن يتم إلا عبر ثلاث طرق مهمة: التوصيل الحراري، الإشعاع، التبخر. ولكن عند درجة حرارة الجسم، كما يتابع هندرسون: (لا يمكن فقد إلا القليل من الحرارة بوسيلة التوصيل المباشر، أو الإشعاع، ولهذا يبقى التبريد بالتسخين هو الوسيلة الوحيدة الفعالة لخفض درجة الحرارة).

ويستنتج بالمحصلة تبدو هذه الخاصية ذات ثلاث أهميات:

أولاً: تعمل على تعديل وتلطيف درجة حرارة الأرض.

ثانياً: تمكن من التنظيم الفعال جداً لدرجة حرارة الكائن الحي.

ثالثاً: تناسب الدورة الجوي.

وكل من هذه التأثيرات تشكل حقيقة عامة ثابتة. إذ لا يمكن لأي مادة أخرى أن تقارن بالماء بهذا الخصوص. وبالمقابل نجد أن انخفاض درجة الحرارة يؤدي للتكاثف، والذي بدوره يحرر الحرارة مما يعاكس سرعة انخفاض الحرارة. وبالإضافة لهذا، يشير هندرسون، إلى منحى أخر لملاءمة الحرارة الكامنة للتبخر – وهي حقيقة أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة ترتفع نسبة التبخر، وهذا يؤدي لزيادة التأثير المبرد للتبخير. فنجد أن تأثير التبريد بالتبخير يزداد عندما تزداد الحاجة إلى هذه الخاصية. ودون البند الرابع يصعب على الخلايا أن توزع الحرارة بالتساوي في أرجاء الخلية، لعدم قدرتها على استعمال تيارات الحمل الحراري.

ودون البند الخامس تفقد حماية العزل للثلج والجليد وهي أساسية لبقاء العديد من أنواع الحياة في مناطق خطوط العرض البعيدة. وبدونها سيبرد الماء أسرع من ذي قبل ويزيد احتمال تجمد البحيرات الصغيرة بشكل كامل.

وهكذا كما يستدل هندرسون، ثبت أن الأمر يتجاوز مجرد صفة أو اثنتين إلى معظم صفات الماء بل إن كل الخصائص الحرارية للماء متأقلمة بشكل تعاوني للحفاظ على أكثر من مجرد التوازن الحراري للقشرة الأرضية، بل الحفاظ على أشكال الحياة الكبرية من التغيرات المفاجئة في درجة الحرارة.

بل إن الموصولية الحرارية الضعيفة للجليد تشكل صفة متأقلمة لحماية الحياة من الصقيع، وحماية الماء تحت الجليد من البرودة المفرطة.

وتتعاظم دهشتنا لهذا التناسق البالغ والاقتصاد البديع في أسلوب تأزر التأقلمات المختلفة لخصائص الماء الحرارية معاً لتحقيق غايات متعددة تصون الحياة وعلى سبيل المثال نجد أن المحافظة على التجمعات الكبرى من الماء السائل على سطح الأرض تتحقق كلياً عبر خصائص الماء الحرارية نفسها بالاشتراك مع الخصائص الحرارية للجليد، شكله الصلب وهذه المنظومة من التأقلمات عظيمة الأهمية، لأن الماء السائل تتجاوز ضرورته أنواع الحياة الأرضية وكونه نسيجاً تجري فيه تفاعلات كيمياء الحياة، إلى ضرورته للحياة المائية التي لا يمكن أن توجد دونه، وبالتالي لن تظهر الأشكال المعقدة من الحياة على الأغلب. كما أن المحافظة على وجود التجمعات الكبيرة من الماء السائل في المحيطات يحقق استقرار درجة الحرارة على مستوى العالم، ويضمن استقرار الجو وهذا أمرّ يعتمد عليه وجود الأشكال الكبرى من الحياة المعقدة. بالإضافة لذلك تستخدم أشكال الحياة الكبرية المعقدة بشكل مذهل نفس الخصائص الحرارية لتدفع عن نفسها خطر تغير درجات الحرارة الذي كنتيجة حتمية لعمليات الاستقلاب (الأيض) في هذه الكائنات.

وهكذا نجد أن سلسلة عميقة ومتشابكة من الخصائص الحرارية المتأقلمة تعمل لتحقيق غابات رائعة تجعل من الماء نعمة تهب سر الحياة للأرض وسكانها من الأحياء.


إن التناسق والدقة البالغة في هذا التصميم تثبت نفسها دون الحاجة إلى برهان. فيظهر الماء باعتبار خصائصه الحرارية متأقلم بشكل فريد وفي أحيان كثيرة مثالياً للحياة على الأرض.

فحسب الشروط الحرارية يعد الماء المرشح المتفرد والمثالي لدوره الحيوي (البيولوجي).

  • التوتر السطحي surface Tension

بالطبع ليست الخصائص الحرارية للماء لوحدها الصفات الفيزيائية التي تجعل من هذا السائل المميز ملائماً بشكل فائق لدوره البيولوجي. فهنالك التوتر السطحي المرتفع جداً، ولهذا تأثيرات بيولوجية كثيرة، فالتوتر السطحي المرتفع للماء يجذب الماء صعداً في التربة ضمن محيط جذور النباتات ويساعد على ارتفاعه في الجذور ومنها إلى الأغصان في الأشجار الطويلة، وسيتعذر وجود نباتات برية كبيرة فيزيولوجياً لو كان توتر الماء السطحي مماثلاً لمعظم السوائل الأخرى. ويعقب مؤخراً أ إي يندهام على استخدام التوتر السطحي المرتفع للماء بقوله: إن للماء توتراً سطحياً مرتفعاً ومتفرداً في نوعه ولا يتجاوزه إلا بضعة مواد غير السيلينيوم السائل الذي يوجد في درجات حرارة أكثر ارتفاعاً بكثير. ولهذا السبب يكون الماء مثالياً لتشكل الأجسام الحية المنفصلة ذات الأغشية المحددة المستقرة. نجد السطوح ما بين الماء والهواء أقل أهمية مقارنة ربما بتلك التي ما بين الدهون والماء والتي لها قيمة أعلى. ومن التأثيرات البيولوجية المفيدة الأخرى للتوتر المرتفع ميل المواد التي يمكن أن تخفض التوتر (المواد الفعالة على السطح) إلى التراكم عند السطح، وتوجهها هنالك كذلك وتملك معظم المركبات الكربونية الهامة بيولوجياً هذه الخاصية، وتقوم بتعزيز تراكمها وتركيزها، كما تشكل الأغشية الخلوية المنظمة. ومن التأثير الملحوظ للتوتر السطح المرتفع جداً للماء: أن هذا التوتر يجذب الماء إلى داخل شقوق وكسور الصخور مما يساعد في عملية الحت الجوي Weathering وعملية غسل المواد الكيماوية من الصخور، وعند تجمد الماء تتحطم الصخور كذلك مما يساعد في عملية الحت الجوي وتشكل التربة الجديدة.

وهنا نشهد حالة أخرى تبدي إحدى خصائص الماء الفيزيائية تأقلماً لدور يعمل لتمهيد البيئة الأرضية لاحتواء الحياة وفي نفس الوقت تعمل ذات الخصيصة متأقلمة مع عدد من الوظائف البيولوجية النوعية.

  • المحُل الكيميائي الأسطوري.

ستكون مجموع الخصائص الفيزيائية المختلفة للماء والتي تضمن هذه الملاءمة البيولوجية الفريدة. عديمة النفع لو لم تكن خصائصه الكيماوية على نفس القدر من الملاءمة للحياة. إذ لا يمكن للماء أن يملك أي دور بيولوجي لو لم يكن محلاً ممتازاً فمن المفترض أن وجود قدرة على حل عدد كبير من مختلف المواد الكيماوية معيار واجب لأي سائل يوظف كنسيج حامل لأي نوع من الحياة (كيماوياً) إن كانت تشبه الحياة التي نعرفها ولو من بعيد. ثبت أن الماء ملائم للحياة كمحل مثالي، بل إنه يشبه كثيراً المحل الأسطوري AL cahest الذي تخيله الكيميائيون القدماء، وهذه الخصيصة ذات أهمية دقيقة جداً تتعلق بدور الماء البيولوجي. وقد عقب فليكس فرانكس Felix Franks على الفعل الحال للماء مؤخراً بقوله: وتشمل الخصائص المميزة الأخرى الفعل الحال الشامل الذي يتمتع به الماء السائل، مما يجعل من تنقيته الثانية أمراً صعباً للغاية، إذ كل المواد الكيميائية المعروفة تقريباً تنحل في الماء بدرجة ما، قد تكون قليلة أحياناً ولكنها قابلة للكشف. ولقدرة الماء كمحل عام أهمية جيولوجية أيضاً نظراً لأن توزع المعادن الحيوية عبر الدورة المائية (الكرة المائية) سيكون غير متوازن في حال كانت مقدرة الحل للماء أضعف مما هي عليه. ومما يوضح القدرة للماء على حل مختلف المواد الكيميائية وتوزيعها في مختلف أرجاء الطبقة المائية على الأرض تلك الكميات الهائلة من المواد المنحلة في الأنهار التي تصب في البحار، ففي عام واحد قدرت هذه المواد بخمسة ملايين طن وأورد هندرسن قائمة من ثلاثة وثلاثين عنصراً مختلفاً يمكن أن نجدها في مياه البحر، ومن الممكن أن يتواجد عدد أكبر من المواد بكميات قليلة (آثارية Trace).

وأوضح هندرسن عمل قدرة الماء على حل المواد في الأنظمة الحيوية بذكر أكثر من خمسين مركباً مختلفاً يمكن كشفها في بول الإنسان. وفي أيامنا بإمكاننا ذكر مئات عديدة من المواد المنحلة في البول.

وهذا المحل الشامل (أي الماء) من المتوقع أن يكون مادة كيميائية متفاعلة بشكل ملفت للنظر، فالماء يعمل كوسيط في كل التفاعلات المعروفة تقريباً، ورغم شدة تفاعله فهو أقل تفاعلاً بكثير من معظم السوائل الأخرى. فالكثير من الأحماض والقلويات المعروفة أشد من الماء تفاعلاً وتقدر أن تحل المواد العسيرة الحل في الماء خلال ثوانٍ معدودة. ولكن هذه المحلات ستتفاعل مع المواد المنحلة فيها وتكون النتيجة تلف المُحل واستهلاك المواد المنحلة.

ولو كان الماء سائلاً شديد التفاعل كحمض الكبريت مثلاً فلن يقدر على أداء دوره البيولوجي، كما سيعجز الماء عن أداء هذا الدور لو كان سائلاً خاملاً عديم التفاعل كالأرغون السائل. ويظهر لنا أن تفاعلية الماء الكيميائية كبقية خواصه الأخرى متلائمة للدورين البيولوجي والجيولوجي بشكل أمثل. ومن الجدير أن نلاحظ إغفال هندرسن في هذا السياق من مناقشة ملاءمة الماء، ذكر خاصتين: الخاصة الأولى؛ عدم انحلال كثير من المواد ذات السلاسل الهيدروكربونية الطويلة في الماء عملياً مثل الليبدات (الشحوم أو الدهون). والخاصة الثانية: ضرورة حدوث كثير من تفاعلات التركيب في الكيمياء العضوية في بيئة خالية من الماء.

ونعلم حالياً، كما سنرى مصداق ذلك في الفصول القادمة، أن الخاصية الأولى (عدم انحلال المواد ذات السلاسل الطويلة في الماء) والتي تبدو مظهر نقص لملاءمة الماء في الحقيقة تؤدي دوراً حيوياً لتصميم النظام الخلوي.

في حين أن الخاصة الثانية (تفاعلات التصنيع العضوية في غياب الماء) هي خاصة ظرفية، ونجد حلها في العضوية عبر إجراء كثير من التفاعلات التركيبية في حيز خاص خالٍ من الماء نجده في مركز الجزئيات البروتينية.

  • اللزوجة والانتشار Viscosity and Diffusion

خاصية اللزوجة من الخصائص الفيزيائية للماء، ولم يناقشها هندرسن في كتابة (الملاءمة Fitness) تختلف السوائل كثيراً في لزوجتها. فنجد أن لزوجة القطران والغليسيرول وزيت الزيتون وحمض الكبريت مقارنة بالماء هي بالترتيب 10 بليون مرة، ألف مرة، مائة مرة، 25 مرة. ويعد الماء سائل منخفض اللزوجة لدى مقارنته بالكثير من السوائل، ومع أنه يقارب الحد الأصغر من لزوجة أي سائل معروف يمكن أن نجد بعض السوائل ذات اللزوجات الأقل منه. فلزوجة الإيثر أقل من الماء بأربع مرات، ولزوجة الهيدروجين السائل أقل من الماء بمائة مرة. وعلى كل الأحوال فيمكن أن نضع قاعدة تقول أن الغازات فقط تملك لزوجة أقل من الماء بشكل ملحوظ. ولزوجة الماء التي نعرفها هي الوضع الأكثر ملاءمة للحياة، ولو كانت لزوجة الماء أقل لكانت مناسبته للكائنات الحية أقل، وستكون بنى الأنظمة الحية معرضةً للحركات العنيفة أكثر بتأثير القوى القاصة. Shearing لو كانت لزوجة الماء تساوي بالانخفاض لزوجة الهيدروجين السائل. وللقوى القاصة هي التي تظهر في بنية معينة عندما تطبق عليها قوة تهدف لتغيير شكلها. وقياساً على هذا فإن بنية مشكلة من الغار Pitch أو الزفت ذات لزوجة عالية ستميل إلى مقاومة القوى القاصة أكثر من بنى تعتمد دبس السكر Treacle وهكذا ستتعرض الهياكل الحساسة للتمزق بسهولة لو كانت لزوجة الماء أقل بكثير مما نعرفه بسبب من تأثير القوى القاصة ولن يتمكن الماء من دعم أي هيكل ميكروسكوبي متشابك ودائم. وعلى الأرجح لن تستمر البنى الحساسة لأجزاء الخلية. وبمقابل ما ذكر؛ لو كانت لزوجة الماء أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع، فلن يوجد أسماك أو أي كائن شبيه بها يصلح لأن نسميه سمكة. ولنتخيل الصعوبة البالغة لمحاولة السباحة أو الإبحار في الدبس مثلاً كما ستعجز أي كائنات دقيقة أو خلايا عن الحركة أيضاً. كما أن الحركة المضبوطة بدقة للجزيئات الكبيرة ماكروموليفل ستكون مستحيلة وبالأخص البنى كالميتوكوندريات والعضيات الصغيرة. وسيستحيل حدوث عمليات معينة كالانقسام الخلوي. ونتيجة لهذه اللزوجة ستفف عملياً كل أنشطة الخلية. أي من المستحيل وجود حياة خلوية من أي نوعٍ يشبه ولو من بعيد ما نعرفه عن الخلايا. كما أن زيادة اللزوجة الماء (المفترضة) ولو قليلاً ستجعل من المستحيل تطور الكائنات الأعلى، إن تعتمد هذه الكائنات بشكل دقيق على قدرة الخلايا على الحركة والزحف من مكان لآخر خلال مرحلة التشكل الجنيني Embryogenesis .

وللزوجة سيطرة مهمة جداً على عملية الانتشار Diffusion الحيوية وهذا الانتشار له تأثير هائل في تحديد وجود حياة خلوية كنمط حياتنا. ومن الصعب أن نتخيل وجود كيفية مغايرة للانتشار نستطيع أن نحافظ بها على التدفق الداخلي والخارجي للمادة في نظام، قابل للتصور، كيميائي يستنسخ نفسه ذاتياً معتمد على وسط سائل. إن سرعات الانتشار في الماء عالية جداً للمسافات القصيرة. فمثلاً ينتشر الأوكسجين عبر خلية جسم متوسطة خلال جزء من مائة من الثانية تقريباً، وتفسر سرعة الانتشار العالية جداً للجزيئات الصغيرة في الماء خلال المسافات القصيرة السبب في استغناء البتكريا والوحيدات الخلية وحتى الكائنات متعددة الخلايا الصغيرة جداً، استغناؤها عن الجهاز الدوراني، لجلب المغذيات وطرح الفضلات لأنها تقوم بذلك ببساطة عبر الانتشار إن سرعة الانتشار لجزيء ما في سائل ما تتناسب عكسياً مع لزوجة السائل. فإن ارتفعت اللزوجة تقل سرعة الانتشار. فعلى سبيل المثال: لو كانت لزوجة الماء أبكر بعشر مرات، فإن سرعات الاتنشار ستكون أقل بعشر مرات. وبالتالي سيصعب جداً حصول المتعضيات على مغذياتها الحيوية للحفاظ على أنشطتها الاستقلابية عبر أسلوب الانتشار.

وهذا عائدٌ إلى أن حجم الكرة هو مربع قطرها، زي لتحافظ الخلايا على نفس الدرجة من النشاط الاستقلابي من الواجب أن تكون أصغر بألف مرة. وهذا الأمر لا يسمح لوجود إلا الخلايا الصغيرة المتناهية في الصغر. ولو كانت سرعات الانتشار أقل بمائة مرة، فعلى الخلايا أن تكون أصغر بمليون مرة لتحافظ على أنشطتها الاستقلابية – وهذا حجم يكافئ كرة تحوي بضعة جزيئات بروتينية. كما أن اللزوجة المنخفضة للماء ملائمة للحياة من وجهة أخرى، وهي أن السائل منخفض اللزوجة، يكون فيه سرعة الانتشار للجزيئات المتخلفة قليلة التباين من جزيء إلى أخر. وأظهر قياس سرعات انتشار فعلية لأنواع من المركبات المختلفة في الماء، تناسب سرعة الانتشار عكسياً مع الجذر التكعيبي للوزن الجزيئي. وهذا قانون مهم ومذهل وربما له أهمية حساسة. كما يشرح هيربرت ستيرن ودل ناني في كتابهما "بيولوجيا الخلايا" Biology of cells هذا يعني أن سرعة الانتشار متساوية تقريباً لمعظم الجزيئات وحتى في حالة جزيء كالبروتين الذي يزيد وزنه الجزيئي ألف مرة عن الغلوكوز، نجد أن سرعة انتشاره هي أقل بعشر مرات فقط.

أما بالنسبة لمجال الأوزان الجزيئية للغالبية العظمى من المستقلبات الرئيسية التي تستعملها الخلية، كالسكاكر والحموض الأمينية، فإن الفوارق أقل من عشر أضعاف، وبالتالي يكون اختلاف سرعة الانتشار الناتج ضئيلاً جداً.

وليؤدي الانتشار في الماء دوره البيولوجي يجب الإضافة لكونه ذو سرعة عالية جداً خلال المسافات القصيرة، أن تكون سرعة الانتشار واحدة تقريباً لمعظم المستقلبات الرئيسية المستخدمة خلوياً. وكلا هذين المواضعتين يحققهما الاتنشار للمستقلبات الصغيرة في الماء. ولانتشار الجزيئات في أي سائل خاصة مهمة بغض النظر عن درجة اللزوجة، ويشمل ذلك الماء، وهي أن الانتشار (سريع جداً ضمن المسافات القصيرة، ولكنه بطيء جداً في المسافات البعيدة) وفي الواقع يزداد زمن الاتنشار متناسباً مع مربع مسافة الانتشار، وهكذا فإن زادت المسافة 10 مرات سيزداد الوقت اللازم للانتشار مائة مرة. وقد قدّر الفيزيولوجي فوت شميدت نيلسن Knut Schmidt- Nielsin أنه في حالة الأوكسجين وانتشاره في النسج.

(جدول يلزم نقله بدقة من الكتاب !)
  • اللزوجة وجهاز الدوران Viscosity and the Circulartory system

نتيجة لزيادة تناقص كفاءة الانتشار كآلية نقل في المسافات الأكبر من جزء من المليمتر سيعجز أي كائن عالي النشاط بحجم يتجاوز بضعة ملي مترات من أخذ وطرح مستقلباته باستخدام آلية الانتشار.

ولتكون هذه الكائنات قادرة على الحياة يجب أن تملك طريقة إضافية تجلب وتطرح المستقلبات عبرها، وعلى أرض الواقع هذه الطريقة هي نوع من جهاز الدوران أو التسريب Perfusion. نجد في الثديات مليات الشعيرات الدموية الدقيقة مخترقة لأنسجة الجسم، وتنقل المغذيات الضرورية بما فيها الأوكسجين والغلوكوز إلى مجال الانتشار لكل الخلايا حيث تتم الأنشطة الاستقلابية. وبسبب من عدم فعالية الانتشار خلال المسافات الكبيرة لن تقدر أي خلية كائن من الثديات على العيش إلا في جوار يقدر بحوالي 50 ميكروناً من شعيرة دموية. يوجد في العضلات النشيطة لخنزير غنيا حوالي 3000 شعيرة دموية مفتوحة لكل ملمتر مربع من العضلة، وهذا الرقم ضخم، وتحتل هذه الشعيرات حوالي 15% من حجم العضلة، وتعادل كميتها وجود 10 آلاف أنبوب دقيق متوازية تمر عبر محدد قلم رصاص. ولكن هذا الجهاز الشعري لن يعمل إلا إذا اتصف السائل المدفوع عبر أنابيبه باللزوجة المنخفضة جداً. وضرورة اللزوجة المنخفضة للسائل تأتي من ظاهرة أن التدفق يتناسب عكسياً معها. متضاعفة اللزوجة مرتين سيسبب انخفاض التدفق إلى النصف. ومما سبق نرى بسهولة أنه لو كانت لزوجة الماء ذات قيمة أكبر بعدة مرات فقط فإن هذا سيفرض وجود ضغط هائل لدفع الدم عبر سرير الشعيرات الدموية وغالباً لن يكون أي نوع من أجهزة الدوران قادراً على العمل. ويمكن للمرء أن يقدر حجم المشكلة بشكل مباشر بمحاولة ضخ الدبس عبر أنبوب زجاجي ضيق. وتوجد علاقة مدهشة أيضاً بين قطر الأنابيب وبين مقاومة التدفق للمائل، وتفرض هذه العلاقة قيوداً هائلة على تصميم أي جهاز دوراني، إذ أن مقاومة التدفق تتناسب عكساً مع الأس (القوة) الرابع لقطر الأنبوب. أي أن خفض قطر الأنبوب إلى النصف سيؤدي لزيادة مقاومة تدفق السائل بمقدار ستة عشر ضعفاً. ولو تم خفض لزوجة الماء برتبة واحدة فلن نحصل إلا على خفض ضئيل جداً في حجم الأوعية الشعرية. ولنحقق ذات السرعة من جريان الدم عبر الوعاء الشعري في أوعية لها نصف حجم الأوعية المعهودة في جسد الحيوان الثدي. فلنفس الضغط الدموي سنضطر إلى خفض لزوجة الماء ستة عشر ضعفاً. أو أن نرفع الضغط الدموي ستة عشر ضعفاً. وفي الواقع لا نعرف أي سائل يملك مثل هذه اللزوجة المنخفضة في درجة حرارة الجسم. كما أن هذا التعديل (جعل الأوعية الشعرية أقل حجماً بمقدار النصف) سيرافقه مشكلات في الهندسة البيولوجية لإعادة تصميم جهاز المضخة العضلي كالقلب، ليمكنه توليد ضغط تسريب أعلى بستة عشرة مرة وهي مشكلات عصية على الحل. فأصغر الأوعية الشعرية يصل قطرها إلى 3- 5 ميكرون، وباعتبار لزوجة الماء، والقوانين التي تحكم تدفق السوائل عبر الأنابيب الشعرية، وقيود تصميم أجهزة الضخ العضلية، فإن هذا الرقم (3- 5 ميكرون) يعتبر ثابتةً فيزيائية، ولا توجد وسيلة يمكن عبرها خفضه! ومن حسن الحظ أن الأوعية الشعرية قادرة على العمل حتى هذه الحجم الضئيل؛ لأن الانتشار في السائل لا يكون فعالاً إلا عبر المسافات الصغيرة جداً، لا يمكن للكائنات العليا أن توجد إلا بوجود عدد هائل من الأوعية الشعرية تمر عبر أنسجتها. ولو افترضنا أن لزوجة الماء كانت أعلى بقليل وكان أصغر وعاء شعري بقطر 10 ميكرون بدل 3، فإن الواجب هنا أن تحتل الأوعية الشعرية عملياً كل النسيج العضلي حتى تعطي ترويداً فعالاً من الأوكسجين والغلوكوز، ومن هذا يتضح أن التصميم الكبري لأشكال الحياة سيكون في هذه الظروف مستحيلاً أو شديد التقييد.

ويتحمل القطر الصغير للوعاء الشعري مسؤولية أخرى تخص وظيفته الرئيسية كحامل للمغذيات إلى النسج؛ وهي تعود إلى مسألة تناسب الضغط على جدار الأنبوب مع قطر الأنبوب، أي أنه لضغطٍ ما سيزداد توتر الجدار بما يتناسب مع قطر الأنبوب، وقد أشار شمدت نيلسن shmidt- Nielsen إلى ضرورة كون الشرايين الكبيرة أكثر ثخانةً من الشرايين الصغيرة، ولكن الأوعية الشعرية يكفيها بسبب قطرها الضئيل قوة جدار مكون من طبقة مفردة من الخلايا، وهكذا نجد أن صغر الوعاء الشعري يستتبع شيئاً مهماً وهو كون جدرانه رقيقة بما يكفي للسماح بالتبادل السريع عبر الانتشار للمواد بين الدم والأنسجة. وهكذا نرى أن لزوجة الماء يتوجب أن تكون قريبة جداً من اللزوجة التي نعرفها. ليكون الماء وسطاً مناسباً للحياة، فهي عالية بما يكفي لتوفير وقاء يحمي من تأثير القوى القاصة على البنى الهشة للخلية، وهي في نفس الوقت منخفضة بما يكفي لتحقق نسب الانتشار السريعة لدرجة السماح بتبادل المواد بين الخلية وبيئتها، أما في حالة الكائنات العليا فهي منخفضة بما يكفي للسماح بالتغلغل إلى النسج عبر جهاز الأوعية الشعرية المنخفضة بالحجم إلى قطر 3-5 ميكرون، أي ضئيلة بما يكفي لتصل إلى محيط مسافة الانتشار لكل خلايا النسج في الجسم ولا تحتل في نفس الوقت نسبة كبيرة من حجم هذه النسج. ولو كانت اللزوجة أكبر فإن الانتشار سيكون بطيئاً بشكل معيق، وإن أمكن وجود الأنظمة الخلوية البسيطة جداً، فإن وجود الكائنات الكبيرة والمعقدة والنشيطة استقلابياً غير ممكن. ولا توجد مجموعة تغييرات مقبولة – زيادة عدد أو قطر الأوعية الشعرية، أو زيادة سرعة التدفق أو تخفيض متوسط حجم الخلية..إلخ. يمكن هندستها بجعل حياة الثديات ممكنة.

  • سوائل غير النيوتونية Non- Newtonian Fluids

هنالك منحى مهم وأخير في ظاهرة اللزوجة، المتصل بخصائص لزوجة السوائل غير المتجانسة ولها أهمية تخص وظيفة وتصميم الجهاز الدوراني. تملك السوائل المتجانسة العادية لزوجة ثابتة، ويتناسب تدفقها مع الضغط المطبق، ولكن وكما يشير ماركوس رينير Marcus Renie في مقال "تدفق المادة" في مجلة العلوم S ientific American عندما يخبر سائل غير متجانس يحوي معلقاً من جزيئات كالدم على التدفق عبر أنبوب سيتصرف بشكل غريب: فعند مضاعفة الضغط تزداد سرعة التدفق ثلاثة أضعاف. وتسمى السوائل التي تتصرف هكذا بالغيرنيوتونية. وليس هذا المنحى الشاذ ظاهرياً للزوجة. مسألة تافهة بل هو خاصية تأقلمية أساسية للدم، تقتضي عند توجب زيادة التروية الدموية لنسيج ما عدة أضعاف، ونظراً لأن الدم سائل غير متجانس يتألف من كريات الدم الحمراء معلقةً في سائل مائي فمع كل زيادة في ضغط التغلغل ستنخفض اللزوجة بشكل مناسب. ويسهل هذا كثيرا ًزيادة تروية الدم للعضو في حالة زيادة النشاط الاستقلابي، ومن هنا نرى عدم إمكان زيادة إرواء عضلات الثديات بمقدار عشرين ضعفاً أثناء المجهود إلا كنتيجة لخاصية سائل غير نيوتني. ومما يلفت النظر بشكل خاص في هذه الصيغة المتأقلمة مسالة خزن الهيموغلوبين (الجزيئات الحاملة للأوكسجين في كريات الدم الحمراء) إذ يوجد في دقائق صغيرة أي من الكريات الحمراء للدم، ولا يوجد بشكل حر محلولاً في البلازما. ويعد هذا الترتيب بمفرده أمر تأقلمي وباعتبارات مستقلة عن جريان السائل أو لزوجته. وهذه الاعتبارت المستقلة تشمل ارتباط اتصال وانفصال الأوكسجين والهيموغلوبين وضوابط استقلابية مختلفة ومتعددة، ومنها ما يقي الجسم من تغيرات في درجة الحموضة، وكذلك المساعدة في نقل ثاني أوكسيد الكربون إلى الرئتين. وعلى فرض أن الجزيئات الحاملة للأوكسجين حرة في المحلول لاستحالت كثير من هذه التأقلمات المرافقة للأكسجة العكوسة للهيموغلوبين مهما تكن الاحتمالات. وبنفس الوقت سنفقد الميزة الإيجابية للانخفاض غير النظامي في اللزوجة عند تعرض معلق جزيئات لضغط تسريب.

  • لزوجة الجليد The Viscosity of Ice

واللافت للنظر أن لزوجة الجليد (الشكل الصلب من الماء) متأقلمة أيضاً للحياة على الأرض. وكما تختلف لزوجة السوائل كثيراً فإن لزوجة المواد الصلبة تختلف على مجال واسع من الرتب. فالزفت Pith أقل المواد الصلبة لزوجة حوالي (ترليون واحد) ضعف لزوجة مقدارها ضعف لزوجة الماء السائل. وأما لزوجات الصخور التي تشكل القشرة الأرضية فتتراوح ما بين إلى . ولو فرضنا أن لزوجة الجليد كانت أقل بعدة أضعاف من هذه القيمة فسيكون النشاط الأنهار الجليدية glacial أقل فعالية في تفتيت الجبال وتحرير المعادن الحيوية إلى الكتلة المائية Hydmosphere ، فلو عادلت لزوجة الجليد لزوجة الزفت لكانت الأنهارا الجليدية قليلة العمق حتى عدة أقدام فقط، ولكان هيناً على أطراف الجبال وبالتالي لن تؤثر كثيراً على انحدارها معظم الصخور الأكثر قساوةً والتي تشكل القشرة الأرضية. ومن حسن الطالع أنه من الطرف الآخر لا تزيد لزوجة الجليد عن هذا الحد، إذ لو كانت لزوجته قريبة من لزوجة الغرانيت Granite ستكون النتيجة حبس كل الماء الأرضي في القطبين وعلى رؤوس الجبال العالية. وستغدو الأرض في مناطق خطوط العرض البعيدة Higher Latitude مغطاة بصحائف جليدية صلبة على رؤوس الجبال بصلابة الغرانيت، وستكون الأرض في هذه الحالة عقيمة، وستفقد كل ماء سائل وبالتالي لن توجد حياة. إن حوالي 10% من ماء الأرض في الوقت الحالي متخزن كجليد في القارة القطبية Antarctic وفي رؤوس الجبال المتجلدة في غرينلاند Green Land ، وعلى افتراض أن لزوجة الجليد كانت أكبر بـ 100 مرة فقط، فسنحصل على كمية ماء أرضي قليلة جداً ومناخ متقلب بشكل سريع من الحار المفرط إلى البارد والزمهرير وفي مثل هذا يشك كثيراً بإمكانية نشوء حياة أرضية غنية بتنوعها كالتي نشاهدها.

  • كثافة الماء The Density of Water

خلافاً للزوجة ذات الاختلاف الواسع على درجات كثيرة، نجد أن الكثافة Density لمواد الأرض أقل تبايناً. فالقطران Tar يملك كثافة مساوية لكثافة الماء في الوقت الذي يملك لزوجة أكبر بملايين المرات. كثافة الماء تعادل غراماً لكل سنتمتر مربع منه، أما كثافة الهواء تحت الضغط الجوي النظامي فتعادل حوالي جزء من ألف من كثافة الماء، ونجد أن القطران Tar والغليسبرول يملكان كثافة تعادل تقريباً تلك التي للماء. كثافة النفط (البترول) تقريباً 0.65، وكثافة كثير من المركبات الهيدروكربونية تتراوح بين 0.7 إلى 0.9 غرام/سم3. وباستثناء الليبدات Lipid والدهون Fats ، نجد أن كثيراً من المركبات العضوية المشكلة للبنية الأساسية للخلية تقارب كثافتها كثافة الماء.


ويوجد مواد أخرى معروفة بشكل جيد تملك كثافة أعلى من الماء؛ منها المعادن الشائعة ذات الكثافات المتراوحة بين ثلاثة إلى سبعة أضعاف كثافة الماء، أما أثقل معدنين الزئبق والذهب فقيمة كثافتيهما 13.6 و 19 على الترتيب.

ومن الواضح أن كثافة الماء ستكون المحدد الرئيسي لوزن الكائنات الحية نظراً لأنه يشكل معظم كتلتها. ولننظر على أثر كثافة الماء على الكائنات البرية Terrestrail الكبيرة التي تعيش على كوكب بحجم الأرض؛ لو كانت كثافة الماء أكبر عدة مرات فسيكون هذا مقيداً للجمع الأعظمي الذي يمكن أن تصل إليه هذه الكائنات البرية، ولن يغدو جزءاً صغيراً من الحجم التي تصل إليه الكائنات البرية التي نعرفها.

أما بالنسبة لوجود كائن بشري منتصب يمشي على رجلين، مشابه لما يُعتمد عن (الفرد العاقل) Home sapiens ، فهذا لن يكون وجوده ممكناً لأن وزن الجسم قد يمنع من رفعه عن الأرض والمحافظة عليه منتصباً، لن يتمكن من تحريك الأطراف إلا إذا زادت نسبة العضلات فيها زيادة كبيرة، ولهذه الزيادة الضرورية أسباب، سنناقشها في الفصل الحادي عشر، لأن القوة العظمى التي يمكن زيادتها.

العضلات محددة لوحدة الحجم من نسيجها ولا يمكن زيادتها. أي لو كانت أعضاؤه أكبر بأربعة أضعاف من وزنها الحالي فستحتاج العضلات أن تكون أكبر بأربعة أضعاف من حجمها لتوفر نفس المستوى من القدرة على التحرك mobility.

وهنالك نظرياً مجموعة واحدة من التأقلمات التي قد يطرأ عليها تحسن إن كان الماء أقل كثافة وبالتالي أصبحت الكائنات أقل وزناً بالنسبة لوحدة الحجم منها؛ وهي التأقلمات المتعلقة بالطيران، ولكن بالمقابل ستكون نتائج نقص كثافة الماء أقل من 1غ/سم3 بالنسبة للحياة المائية aquatic شديدة الأثر، ففي هذا العالم المفترض نظرياً، باعتبار ثبات الأمور الأخرى مساويةً لما نعرفه،

نجد أن أشكال الحياة المعتمدة على الكربون (والتي تتألف من نسبة 30% من مواد غير مائية، مركبات كربونية عضوية بشكل رئيسي)، سوف تميل للغرق كبالونات من الرصاص إلى قاع المحيطات، وبالمقابل، لو افترضنا أن الماء كان أثقل قليلاً فقط، فسنجد أن الحياة المائية المعتمدة على الكربون قد قيدت في حالة الطفو على سطح البحر. وفي مثل هذه الحالة يشك ببقاء الكثير من الأشكال الحية، وبالأخص الكائنات الدقيقة microganis نظراً لظروف كثافة الإشعاع فوق البنفسجي الذي ستتعرض له إن اضطرت للتقيد الرائع بسماكة عدة ملمترات من سطح ماء البحر.

  • الاكتشافات الحديثة Recent Discoveries

اكتشف خلال العقود القليلة الماضية خصائص إضافية للماء نؤكد مجدداً ملائمته الملحوظة. يشير مورو فتز Morowitz: شهدنا في السنوات القليلة الماضية تطور دراسة خاصية الماء تم فهمها حديثاً وهي النقل البروتوني proton conductance، والظاهر أن هذه خاصة يتفرد بها الماء تقريباً، وهي عنصر رئيسي في نقل الطاقة البيولوجية ولا يوجد أدنى شك في أهميتها منذ نشأة الحياة. وكلما ازدادت معرفتها بها كلما ازداد الحجاب أناس منا بملاءمة الطبيعة وفق هذه الأسلوب عالي الدقة... وقد تركز الاهتمام بشدة على موضوع النقل البروتوني في الكيمياء الحيوية (البيوكيمستري) (دوره في الاصطناع الضوئي (التركيب الضوئي ) Photosy nthesis وفي الفقرة التأكسدية Oxidative phosphory lation ويشرح موروفيتز بأن كلا هاتين العمليتين الرئيسيتين تستعملان النقل البروتوني والأيونات المبهمة Hydrated وكلا الأمرين من الصفات الرئيسية للماء.

وهكذا نرى مرة أخرى وضوح الملاءمة في دقائق التفاصيل لطريقة تلاقي الخصائص الجزيئية للماء مع الآليات الجزيئية للطاقة الحيوية bioenergetics وهي خاصية لم يكن هندرسن ليحلم بها في وقته وقد ثبت أنها جزء مهم من ملاءمة البيئة للحياة.

  • الصدفة تلو الصدفة Coinvidence upon coincidence

إن هذه المرحلة المختصرة لبعض خصائص الماء ليست على الإطلاق شاملة. فهنالك في الواقع عدداً من الطرق التي تظهر فيه ملاءمة خصائص الماء بنفس الدرجة لآليات بيولوجية متعددة. وما طرح من الخصائص هو الأكثر مناسبة للاعتبار في سياق ملاءمة مكونات أخرى للحياة ستمر على ذكرها في الفصول القادمة وما هو مثير للانتباه جداً في الخصائص الفيزيائية المختلفة للماء المذكورة آنفاً ليس ملاءمتها بنفسها لدرجة عالية. بل الطريقة المذهلة التي نجدها في أحيان كثيرة وهي اجتماع تأقلم عدة خصائص مستقلة لخدمة متعاونة تؤدي غاية بيولوجية واحدة.

انظر مثلاً ظاهرة حت الصخور Weatheing والنتيجة التي نحصل عليها. وهي توزع المعادن الهامة حيوياً الي تعتمد عليها الحياة عبر الأنهار إلى المحيطات وبالنهاية خلال الكتلة المائية الأرضية Hydrosphere فالتوتر السطحي المرتفع للماء يقوم بسحبه إلى داخل الشقوق الدقيقة فالتوتر السطحي المرتفع للماء يقوم بسحبه إلى داخل الشقوق الدقيقة Crevices للصخور، أما تمدده الكبير خلافاً لطبيعة السوائل عند التجمد يقوم بشق الصخرة وينشئ شقوقاً دقيقة أخرى لعملية الحت التالية كما يزيد هذا من المساحة المعرضة لتأثير الماء بالحل محرراً للعناصر. وبالإضافة لكل هذا يوفر الجليد اللزوجة والقوة المناسبين لتشكيل الأنهار القاسية والطاحنة التي تقوم بتفتيت الصخور المتكسرة إلى أحجام أصغر في دورات متتالية من التجمد والانصهار متجولة إلى glacial silt ، وتساهم لزوجة الماء المنخفضة توفير قدرة الجريان السريع للأنهار وجداول الجبال فتحمل بسرعة عالية الأجزاء الصغيرة جداً من الصخور و glacialsilt فتساهم بتعميق عملية الحت وتحطيم الجبال، أما تفاعلية الماء الكيميائية وقدرته العالية على حل العناصر فتساهم أيضاً بعملية الحت وتحمل المعادن والعناصر من الصخور وتوزعها بالنهاية عبر كامل الكتلة المائية الأرضية.

خصائص الماء التي تساهم في الحتّ

  • الحت (الغاية)
    • خصائص الماء (الوسيلة)

التوتر السطحي المرتفع تمدده عند التجمد قدرته على حل العناصر لزوجة الجليد (زحف بطيء وطحن في الأنهار الجليدية) لزوجة الماء المنخفضة (سرعة جريان الأنهار) التفاعلية الكيميائية للماء

ولنتأمل في كيفية تعاون مختلف خصائص الماء الحرارية لغاية المحافظة على التجمعات المائية الكبيرة على سطح الأرض.

أولاً- تؤخر السعة الحرارية العالية للماء من سرعة تبرده، وعندما يتجاوز درجة 4ْم في الانخفاض، يرتفع الماء الأبرد إلى السطح مشكلاً غطاءً عازلاً هناك يؤخر من فقد الحرارة. وبعد ذلك وعند تجمد الطبقة السطحية وبسبب الحرارة الكامنة Latent heat العالية لعملية التجمد تتحرر كمية معتبرة من الحرارة مؤخرةً بذلك انخفاض حرارة الماء. وبعد تشكل الجليد وبسبب قلة كثافته بالنسبة للماء يبقى على السطح ويمنع متابعة تبريد الماء أسفله بسبب من ناقليته الضعيفة، وكل تجمد تالٍ لتشكل هذه الطبقة سيتم من أسفلها في سطح التلاقي بين الماء والجليد وهكذا تتحرر الحرارة الكامنة وتحتبس تحت الجليد نظراً لناقليته الضعيفة وبالتالي يتم تدفئة الماء أسفله وتأخير عملية التبريد، بحيث نجد في المحصلة بغض النظر عن بردة الهواء فوق الجليد لن يزيد سمك طبقة الجليد عن بضعة أمتار فحسب. ولو فرضنا في بعض الحالات تشكل كميات كبيرة من الجليد، فستنتقل هذه الكميات بسبب لزوجة الجليد المنخفضة نسبياً إلى أسفل الوادي أو خارجه باتجاه درجات الحرارة الأعلى، أو باتجاه البحر حيث تذوب وتتحول لماء سائل من جديد.

خصائص الماء التي تميل للحفاظ على حالته السائلة مجتمعةً

  • الحفاظ على سيولة الماء (غاية)
    • خصائص الماء (الوسيلة)

السعة الحرارية العالية ناقلية الماء تمدد الماء عند التجمد تمدد الماء دون درجة 4ْم النقل الحراري الضعيف للجليد الحرارة الكامنة العالية لعملية التجمد اللزوجة العالية نسبياً للجليد


  • الحفاظ على البرودة Keeping Cool

وكمثال أخير لنعتبر الأسلوب الذي تتأمر فيه عدد من الخصائص لتخدم غاية محددة هي تنظيم حرارة كائن كبير الحجم كالإنسان كالسعة الحرارية العالية، والحرارة الكامنة العالية للتبخر، والناقلية الحرارية، واللزوجة المنخفضة.

نستهلك كل الأنشطة بما فيها عمل الآلات الطاقة، وهذا سيؤدي بالضرورة لانتاج الحرارة. وإن إنساناً يركض مسافة 10 أميال خلال ساعة سوف ينتج كمية كبيرة من الحرارة، ولكننا في نهاية الشوط لا نجد حرارة جسمه قد ازدادت إلا ببضع درجات، وقد ألفنا هذه الحقيقة لدرجة أنه لم يحظر في بالنا أن نتساءل عن وجود شيء ما غير معتاد في هذا الأمر. ولكن الواقع أنها ظاهرة فريدة.

وبحساب مجمل لو ركض رجل زنته 100 كغ لمسافة 10 أميال خلال ساعة واحدة سيعطي العمل المبذول حوالي 1000 كيلو كالوري من الحرارة، ولو افترضنا جدلاً أن الجسم احتفظ بهذه الكمية من الحرارة خلال الركض فسوف ترتفع درجة حرارته بمقدار 10ْم، وهذا مقدار قاتل دون شك للإنسان. ولو غيرنا الفرض واعتبرنا جسم الإنسان مكوناً إما من الحديد أو الملح أو الرصاص أو الكحول بدلاً من الماء أو 20ْم على الترتيب. وسبب ضآلة مقدار ارتفاع درجة حرارة الجسم أي حوالي 10ْم يعود إلى أن السعة الحرارية للماء أكبر من السعة الحرارية لمعظم المواد الأخرى، وأكبر من السعة الحرارية لكل سائل نعرفه باستثناء النشادر (الأمونيا) وذلك في مجال درجات الحرارة الشائعة التي نلحظها على سطح الأرض وهنالك أيضاً ميزة فريدة أخرى للماء في عملية تنظيم الحرارة، فكما رأينا مسبقاً، إن الحرارة الكامنة لعملية تبخر الماء هي الأعلى مقارنةً بأي سائل آخر ضمن مجال درجات الحرارة الطبيعي.

وبالتالي نجد أن الماء بالإضافة لوقايته الجسم من ارتفاع درجة الحرارة بسبب سعته الحرارية العالية جداً، يقوم تأثيره التبريدي الشديد عند التبخر من الجلد يخفض درجة حرارته فتبخر لتر واحد من عرق الإنسان يخفض من درجة حرارة الجسم بمقدار 6ْم. ولو استبدلنا على سبيل الافتراض الماء بالكحول أو الأمونيا فإن مقدار التبريد سيكون 2.2مْ، أو 3.6مْ فقط، على الترتيب. بل إن الأمر أبعد من هذا، عند درجة حرارة الجسم لا يكفي الإشعاع ولا التوصيل (النقل) المباشر لتخليص الجسم من حرارته، أي أن التبريد بأكمله يقع على عملية التبخر.

ولا تكتمل قصة التبريد عند هذا الحد ولها تتمة؛ إن هاتين الخاصتين الحراريتين الفريدتين تقريباً للماء غير كافيتين لوحدهما للمحافظة على استقرار درجة الحرارة، ولابد من نقل الحرارة المتولدة في مركز الجسم إلى سطحه، وهذا لا يكون إلا بإحدى الطريقتين إما التوصيل الحراري Conduction أو الحمل الحراري عبر وسيط Convection.

إن تباين الناقليات الحرارية للمواد الشائعة واسع، فالفضة والنحاس على سبيل المثال من أكفأ النواقل ولهما ناقلية حرارية أكبر من عشرة آلاف مرة من بعض النواقل الحرارية الرديئة مثل هلامة السيليكون (سيليكاجل) والخشب، وأكبر بآلاف المرات من ناقلية الماء. إن السوائل نواقل حرارية غير جيدة مقارنة بالمعادن، ولكننا نجد الماء هنا أيضاً يمتاز عن جميع السوائل بناقليته الأعلى بعدة مرات من أغلبية كبيرة من السوائل ضمن مجال درجات الحرارة الطبيعية ورغم هذه الناقلية الحرارية العالية للماء مقارنة بمعظم السوائل الأخرى، فهي لا تكفي لخفض درجة حرارة الجسم لنقل الحرارة من مركزه إلى محيطه بسرعة تتطلبها الحيوانات للتخلص من الحرارة الناشئة عن الاستقلاب. ولا يمكن هذا إلا إن ساعد النقل، نوع من آلية الحمل الحراري عبر وسيط، فيتم نقل الحرارة من مركز الجسم إلى الجلد.

ويوجد في الواقع آلية لحمل الحرارة وهي الجهاز الدوراني الذي ينقل حوالي 6 لترات من الدم عبر جسم الإنسان البالغ المتوسط، وتمر هذه الكمية عبر كل عضو معتمدةً على الأوعية الشعرية في كل الأوقات حاملاً معه كل حرارة تم توليدها من مركز الجسم إلى محيطه. ولكن وكما ذكرنا سابقاً يعتمد الجهاز الدوراني على خاصية فيزيائية أخرى مهمة للماء وهي لزوجته المنخفضة جداً وبقيمتها هذه بالضبط.

ولو افترضنا أن ناقلية الماء الحرارية كانت أقل بعدة مرات لتساوي ناقلية القطن الماص أو الخشب، فستكون ناقلية جهاز الدوران بالتأكيد أخفض من القدر اللازم لنقل الحرارة إلى سطح الجسم وتخليصه منها وبالأخص في حالات الجهد الشديد ستظهر مشاكل غير قابلة للحل وسنجد الجسم قد توقف كمحرك سيارة ارتفعت درجة حرارته. ومن جهة أخرى لنفترض أن ناقلية الماء الحرارية أعلى مما هي عليه في الواقع لتساوي ناقلية معدن النحاس مثلاً؛ في هذه الحالة الافتراضية ستعتدل درجة حرارة الكائنات الحية بسرعة شديدة مع درجة حرارة بيئتها المحيطة وهذا سيجعل تحقيق تنظيم درجة الحرارة صعباً للغاية. إذ سيتم نقل التغيرات في درجة حرارة البيئة عبر جسم الكائن بسرعة مما سيؤدي لتأرجح مستمر في درجة الحرارة.

وهذا الوضع يستحيل معه وجود حيوانات صغيرة الحجم ذات دم بارد، بل إن الكائنات الكبيرة ستعاني صعوبة في شرب كميات كبيرة من الماء البارد. وهكذا نجد أنه يجب على الماء امتلاك ناقلية حرارية قريبة من القيمة التي نعرفها له حتى يكون ملائماً للحياة الكبرية.

ونرى أن ارتفاع درجة حرارة الجسم المتواضع جداً بعد التمرين القاس ليس بظاهرة عادية، بل ثبت أنه معتمد على ملاءمة نوعية للماء تجعله وقاء من التغيرات في درجة الحرارة. وتعتمد هذه الملاءمة على أربع خصائص فيزيائية مختلفة للماء، وتبدي كلها ملاءمة تشاركية متصادفة وتكون بمجموعها مناسبة مثالية للدور البيولوجي للماء. لا يوجد أي سائل معروف أخر يمكنه ولو من بعيد أن يقارب ملائمة الماء في تنظيم درجة حرارة شكل حياتي بري معتمد على الكربون.

في مجال درجات حرارة طبيعية من 0 إلى 50مْ وأبعد من هذا نجد بالرغم من وجود بعض السوائل الأخرى كالنشادر (الأمونيا) والصوديوم السائل التي تبدي بعض خصائص الماء والحرارة، فإن أياً من هذه السوائل لا يملك بالضبط المجموعة نفسها من الخصائص المتعاونة في التأقلم.

ففي درجات حرارة معينة على سبيل المثال يبدي الصوديوم السائل حرارة كامنة للتبخر أكبر من تلك التي يملكها الماء، ولكن الناقلية الحرارية ستكون أكبر من ناقلية الماء بأضعاف كثيرة جداً، أي أعلى من القدر الذي يسمح لكائن متخيل في هذا الوسط أن يحافظ على درجة حرارته في وجه تحديات البيئة. إن فقد الحرارة الزائدة من رياضي المارثون في المثال الذي ذكرناه يرتبط التأقلمات التالية:

  • تنظيم الحرارة (غاية)
    • خصائص الماء (وسيلة)

لزوجة منخفضة (تجعل جهاز الدوران ممكناً) سعة حرارية مرتفعة ناقلية حرارية الحرارة الكامنة للتبخر

  • الاستنتاج Conclusion

إن الدليل الذي سردناه في هذا الفصل يشير إلى تأقلم الماء الفريد والمثالي كوسط سائل مسخر للحياة على الأرض، وليس بمجرد خاصية أو كثير من الخواص، بل بكل خاصية مفردة من خصائصه الفيزيائية والكيميائية المعروفة. ومن الممكن توضيح ملاءمة الماء الفريدة والمثالية بشكل خط بياني نرسم فيه محور للسوائل وأخر يقابله لإمكانية الانتفاع بهذه السوائل لدعم حياة معتمدة على الكربون كما في الصفحة...... وكما استنتج هندرسن Henderson لو بقي شك لنقم بإجراء بحث عن أي مادة أخرى يمكن لها أن تسد مسد الماء ولو بدرجة قليلة جداً كوسط للكائنات الحية البسيطة، أو كوسط داخلي لكل الكائنات الحية، أو لتأدية أي من الوظائف الفيزيولوجية التي لا تحصى عداً من التي يقوم بها الماء.

  • الملاءمة الفريد للماء :

وفي الواقع لا يوجد البتة أي سائل أخر يمكن ترشيحه لمنافسة الماء ولو بشكل بعيد في عمله كوسيط لحياة أساسها الكربون. ولو لم يوجد الماء لوجب أن يخترع. وبدون السلسلة الطويلة من التصادفات الحيوية في مواصفات الماء الفيزيائية والكيميائية لا يمكن لوجود حياة معتمدة على الكربون بأي شكل يمكن مقارنته ولو من بعيد بتلك الحياة التي توجد في الأرض. ولن نكون نحن (أشكال الحياة المعتمدة على الكربون الذكية) موجودين بالتأكيد لنتساءل عن خصائص السائل الحيوي هذا التي تجعل من كل شيء حي. ولو وجدت حياة مشابهة لحياتنا في أي مكان في هذا الكون على أرض أخرى، فسيكون هنالك ماء وبكل الاحتمالات ستوجد بحار وأنهار وغيوم ومطر، وستوجد عواصف وشلالات وجبال جليدية، وسيتكسر الموج على شواطئ ذلك العالم البعيد. ومع هذه الخصائص الكثيرة المتأقلمة بشكل تشاركي لهذا السائل الأكثر تميزاً من كل السوائل، نجابه بشكل صريح كتلة من الأدلة الغير عادية من النوع الذي نتوقع وجوده لفرضية تقول أن قوانين الطبيعة ملائمة بشكل فريد لنمطنا من الحياة المعتمدة على الكربون، كما توجد على الأرض..

موافق لصفحة 46 من الأصل الإنجليزي


جدول المصطلحات

Amateur الهاوي

Adaptation تأقلم

Biochemistry كيمياء حيوية ، بيوكيمستري

Biology بيولوجيا (علم الحياة)

Biophysical بيوفيزيائي

Carbon-based life المعتمدة على الكربون

Cosmos الكون

Electromagnetic إلكترومغناطيسي

Environment البيئة

Epilogue خاتمة

Evolution التطور (نظرية التطور)

Exotic غريب

extraterrestrial خارج أرضي

Fitness ملاءمة

Galaxy مجرة

Home sapiens الفرد العاقل

Hydrosphere الغلاف المائي للأرض

Illustration شكل توضيحي

Intelligence الذكاء

Jupiter كوكب المشتري

Laws قوانين

Lipids الشحوم

Living Processes العمليات الحيوية

Lobster سرطان البحر

Molecular جزيئية

Natural theology الفكر الطبيعي

Nature's Destiny قدر الطبيعة

Notion فكرة

Novel مبتكرة

Observatory المرقب

Optical بصري

Origins منشأ

Perceived ملحوظ

Physiology فيزيولوجيا

Principle of Plenitude مبدأ الوفرة

Prologue تمهيد

Purpose غاية

Reflecting eye عين إنعكاسية

Scheme خطة

Science العلم ، العلم الحديث

Scientific American مجلة العلوم (وفق الترجمة الكويتية)

Teleological concept المفهوم الغائي

The Double Helix الحلزون المزدوج

The harmony of spheres انسجام العوالم

The Nanomanipulators الأدوات النانوية

Thesis الأطروحة

Universe كون

Vital الحيوي

Atmosphere جو

Jupiter كوكب المشتري

Titan تيتان ؛ قمر يتبع كوكب بلوتو

Self-assembling التجميع الذاتي

terrestrial أرضي ، بري

Argument برهان ، نقاش

Life's becoming نشأة الحياة

Life's being كينونة الحياة

Connection ارتباط

Terraqueous برمائي

Intricate معقدة

interstellar بين النجوم

Meteor نيزك

Reciprocal تبادلي

Cogs أسنان التروس

Mechanism تقنية ، آلية

Discourse مقولة