الداء العليقي

من موسوعة العلوم العربية
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. جاد الله السيد محمود
المساهمة الرئيسية في هذا المقال

الداء العليقي (يوز) Yaws يعد الداء العليقي أكثر الأمراض المعدية انتشاراً من بين الأمراض غير المنقولة جنسياً التي تسببها اللولبيات، وتسببه جراثيم اللولبية الشاحبة البرتونية Treponema pallidumpertenue.

ينتقل هذا الداء من خلال الاتصال الجلدي المباشر، ويؤثر أساساً على الأطفال تحت سن 15، وأكثر من يؤثر عليهم هم بسن 6-10 سنوات. ويمكنه – كالزهري – أن يسبب إمراضية تنكسية مزمنة لسنوات.

تعد الإصابة بالداء العليقي متوطنة في الحزام الاستوائي في المناطق التي تتسم بحرارة مرتفعة ورطوبة عالية ومطر شديد. تترافق هذه الشروط مع الفقر والتصريف الصحي السيء والازدحام وضعف متابعة الصحة العامة ما يسمح بعدم زوال المرض.

بين عامي 1952 و1964 قامت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع اليونيسيف بتعهد حملة عالمية أساسية للتخلص من متوطنة لهذا المرض من خلال معالجة 300 مليون إنسان في 46 بلد باستخدام بنزاتين بنزيل البنسلين. وقد وصلت نسبة النجاح إلى 95%، لكن ظهر الداء العليقي مجدداً في السبعينيات. وفي عام 1995 قدرت منظمة الصحة العالمية أنَّ هنالك 460,000 حالة إصابة بهذا الداء في العالم، مع 400,000 في إفريقيا الغربية والمركزية، و50,000 في شرق آسيا، والباقي في المناطق الاستوائية الأخرى.

وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية برنامجاً آخر لاستئصال الداء عام 2012، متبوعاً بدراسة أظهرت أنَّ الأزيثروميسين يمكنه بفعالية علاجه في المناطق الاستوائية. فبالمقارنة مع البنزاثين بنزيل البنسلين فإنَّ الأزيثروميسين الفموي يعد علاجاً أبسط، ولا يتطلب أفراداً طبيين مدربين لإعطاءه. وفي الهند استُأصل المرض من خلال برنامج قائم على تقديم معلومات للسكان الذين هم في خطر الإصابة به، إضافة لمعاينتهم وعلاجهم. وخلصت منظمة الصحة العالمية إلى أنَّ هذه الحملة الجديدة يمكنها أن تنهي هذا الداء بالكامل عالمياً بحلول عام 2020.

الانتقال

لا ينتقل الداء بالجنس، وطريق العدوى الأساسي هو من خلال الاتصال المباشر بين الأشخاص، حيث تتوضع اللولبية المسببة لهذا الداء في البشرة. يعدُّ الأطفال مستودعاً أساسياً لهذه الجراثيم، ويساعدون في نشر المرض من خلال الاتصال الجلدي، أو اتصال الجلد مع الأغشية المخاطية.

الإمراضية

يسبب الداء العليقي جرثومة اللولبية الشاحبة البرتونية Treponema pallidumpertenue، وهي من جراثيم الملتويات، وتختلف مصلياً عن جرثومة اللولبية الشاحبة المسببة لداء الزهري. أثناء فترة الحضانة تغزو الجراثيم الأوعية اللمفية تحت الجلد، وتنتشر دموياً. وتعج الآفات الجلدية التقرحية التي تتطور باكراً في مساق المرض بالملتويات، والتي يمكنها الانتقال لأشخاص آخرين بالاتصال مع جلد فيه خرق، أو رضح أو عضة أو سلخ.

وللمرض 4 مراحل كما في داء الزهري:

  • المرحلة الأولية: تتطور فيها آفات الداء العليقي البدئية في موقع الدخول.
  • المرحلة الثانية: يحصل انتشار واسع للولبيات ما يؤدي لآفات جلدية متعددة مشابهة لآفات المرحلة الأولية.
  • المرحلة الكامنة: تغيب فيها الأعراض عادةً، لكن يمكن أن تنكس الآفات الجلدية.
  • المرحلة الثالثية: قد يحصل فيها تشوه للعظام والمفاصل والأنسجة الرخوة.

تميز الآفات الجلدية المراحل الأولية والثانوية من هذا الداء. أما المرحلة الثالثية فيمكن أن تتضمن الجلد والعظام والمفاصل. من التصنيفات الأخرى التي تميز الإصابة الباكرة عن المتأخرة من هذا الداء، هو أنَّ الإصابة الباكرة تتضمن المراحل الأولية والثانوية، وتتسم بوجود آفات جلدية معدية. أما المرحلة المتأخرة تكون فيها الآفات غير معدية.

الإنذار

في حال لم يعالج المرض يمكن أن يصبح مزمناً متنكساً بعد 5-15 سنة، مع إصابة الجلد والعظام والمفاصل. في معظم المرضى يبقى الدء محدوداً بالجلد، لكن يمكن أن يصاب العظم والمفاصل باكراً أيضاً. ورغم أنَّ آفات الداء تختفي تلقائياً، إلا أنَّ العدوى الثانوية والتخريش يعدان مضاعفات شائعة للمرض.

في 10% من الحالات يصل المرضى للحالة المتأخرة، والتي تتسم بآفات جلدية مدمرة، وآفات تشوهية شديدة للعظام والمفاصل. وتكون هذه الأذية غير عكوسة. كما يمكن أن تحصل أذية عينية وعصبية.

الأعراض

المرحلة الأولية

تتضمن آفات المرض في المرحلة الأولية:

  • ورم حليمي.
  • ورم حليمي ساعي.
  • ورم حليمي قيحي.
  • بقع صدفية.
  • بقع حطاطية.
  • عقيدات.
  • لويحات.
  • فرط تقرن كفوف اليد وباطن القدمين.
  • قد تحدث آفات للعظم والمفاصل.
  • قد يحدث تضخم عقد لمفية معمم.

آفة الداء العليقي الأولية تكون بقعة تتضخم لتصبح ورماً حليمياً، أو ورماً عليقياً. يشفى الورم الحليمي تلقائياً بعد 3-6 أشهر. وقد تُصاب العظام والمفاصل في الداء الباكر، وقد يسبب توذماً وألماً.

فبعد فترة حضانة تستمر من 9 إلى 90 يوماً (بمتوسط 3 أسابيع)، تتطور الآفة الأولية (المسماة الداء العليقي الأم) في موقع الدخول. تكون الآفة الأولية ممضة حمراء، وفي بعض الأحيان حطاطية بترية حاكة.

يطور الداء العليقي الأم جلبة (قشرة) بنية عسلية، وتتضخم أفقياً ليصل قطرها لـ 1-5 سم، وفي بعض الأحيان تندمج مع آفات ساتلة. تتقشر الجبلة كثيراً، وتظهر قاعدة شبيهة بتوت العليق. وفي حالات نادرة لا تُرى الآفة الأولية. وبسبب أنَّ تلك القرحة تعج باللولبيات، تعد هذه الآفات عدوية للغاية. وبعد أن تشفى تبقى ندبة ضمورية مع مركز ناقص التصبغ، ومحيط مفرط التصبغ.

المرحلة الثانوية

  • بعد مدة من الكمون (تقريباً 6-16 أسبوع بعد المرحلة الأولية)، يحصل انتشار لآفات جلدية وآفات عظمية، وأعراض أساسية أخرى. تشابه الآفات الجلدية هذه (الداء العليقي البنت) الداء العليقي الأم، لكن تكون أصغر (يصل قطرها حتى 2 سم)، وتقع بتكرار بجوار فوهات الجسم، خصوصاً عند الفم والأنف. تتوسع آفات الداء العليقي البنات وتتقرح وتنضح بسائل فيبريني يعج باللولبيات، والتي تجف لتتحول إلى قشرة (جلبة). يجذب هذا النضح الذباب، وهو أمرٌ مزعج للمصاب.
  • قد تحدث آفات الداء العليقي الثانوية قرب الآفات الأولية، أو في أمكنة أخرى من الجسم، وقد تستمر لأسابيع حتى أكثر من 6 أشهر. ويمكن أن تظهر آفات بقعية وحطاطية وعقيدية ومفرطة التقرن. يؤثر المناخ على شكل وعدد الآفات. ففي الفصول الجافة تكون الآفات أقل، وبقعية المظهر. تشفى الآفات الثانوية تلقائياً، ولا تسبب ندباً عادةً وتكون عكوسة.
  • يؤدي أحياناً الشفاء المركزي إلى آفات متقشرة حلقية أو متحلقة تشبه العداوى الفطرية. يشار لهذه الآفات بـ سعفات الداء العليقي. ويمكن أن تلاحظ اللويحات والبقع الحطاطية الحرشفية التي تشابه داء الزهري في أي جزء من الجسم.
  • تشابه الآفات في الإبط أو الإرب الأورام اللقمية؛ أما الآفات في الأغشية المخاطية فتشابه البقع المخاطية الضخامية.
  • يمكن للأورام الحليمية على السطوح الأخمصية أن تشكل لويحاتٍ سميكة مفرطة التقرن، والتي تتشقق أو تتخرش. تكون الآفات مؤلمة، وتسبب ما يشبه السرطان البحري (الداء العليقي السرطاني).
  • تتضمن الإصابة الهيكلية التهاباً مؤلماً للعظم والسمحاق، وورماً مغزلياً للأنسجة الرخوة في العظام السنعية والمشطية.
  • يمكن أن يصاب المريض بالتهاب ظفر بيانيكي، وهو داحس ينتج عن أورام حبيبية في طية الظفر.
  • قد يطور المرضى انتكاسات بفواصل 5 سنوات بعد العدوى. وتميل الانتكاسات لتحدث في المناطق المحيطة بالفم والمحيطة بالإبط والمحيطة بفتحة الشرج. ثم يدخل المرض طوراً كامناً غير معدٍ، ولا يظهر المرضى أي علامات أو أعراض. ويبقى معظم المرضى في مرحلة كامنة غير معدية بقية حياتهم.

المرحلة الثالثية

في 10% من الحالات تقريباً، وبعد فترة كمون تستمر 5-15 سنة تتطور مرحلة متأخرة تتسم بآفات جلدية مدمرة وآفات عظمية، ويمكن أيضاً أن تصيب العين والأعصاب.

  • تتطور عقيدات تحت جلدية مؤلمة متضخمة تمر بتشكل خراجي تنخري وتقرح. يكون لهذه الآفات حواف واضحة، وقاعدة راسخة مع نسيج حبيبي وتسلخ أصفر.
  • قد تصبح القرحات معدية، مسببةً تدمير البنى التحتية. كما يمكن أن تتجمع مشكلةً سبلاً ساعية تُشفى مع تشكل جدري، والذي يؤدي إلى تشوهات مسببة للعجز وتقفعات.
  • تتضمن الآفات الهيكيلية المتأخرة التهاب السمحاق الضخامي والتهاب السمحاق الصمغوي والتهاب العظم والتهاب العظم والنقي. فيمكن أن يؤدي التهاب العظم المزمن للظنبوب إلى الإصابة بالظنبوب الضالع. وعند 1% من المرضى يحصل التهاب عظم ضخامي ثنائي الجانب للسمات الخارجية من العمليات الأنفية للإبط مع تورم مستمر. يشار لهذه الحالة بالنخار (غوندو goundou) والتي تتطور ببطء على مر 5-20 سنة، وفي النهاية يمكن أن تؤدي إلى تدمير هائل، وثقب الأنف والحنك (الجادوع gangosa).

الداء العليقي المُضعف

وصفت بعض التقارير شكلاً مضعفاً أقل تسبيباً بالعدوى من الداء العليقي في مناطق قلة انتشار المرض. ظهرت فيه بقع مفردة أو بضعة بقع جافة مسطحة رمادية محصورة بطيات الجلد مميزة لهذا الشكل.

التشخيص

يقوم تشخيص الداء العليقي على التقييم السريري للآفات، ويتم التأكيد من خلال تحديد اللولبيات بالفحص المجهري بالساحة المظلمة للمصل الناتج عن عصر قواعد الآفات.

الفحوصات المصلية

مطابقة لتلك للزهري الجنسي، وتتضمن:

  • اختبار كاشف البلازما السريع (RPR).
  • اختبار المختبر البحثي للأمراض المنقولة جنسيًا (VDRL).
  • اختبار امتصاص أضداد اللولبية المفلور (FTA-Abs).
  • اختبار تثبيت اللولبية الشاحبة (TPI).
  • مقايسة التراص الدموي للولبية الشاحبة (TPHA).

تكون اختبارات كاشف البلازما السريع واختبار المختبر البحثي للأمراض المنقولة جنسيًا فعالة في الأسابيع 2-3 بعد بداية الآفة الأولية، وتبقى عموماً فعالة خلال جميع المراحل.

ليس هنالك من فحص مصلي يميز الداء العليقي عن باقي أمراض اللولبيات غير المنتقلة جنسياً؛ لذلك يقوم التشخيص في النهاية على الربط بين الموجودات السريرية والتاريخ الوبائي ونتائج الفحوصات المصلية الإيجابية التي تشير للإصابة بالداء العليقي. وقد تكون خزعة الآفات المتأخرة ضرورية لإظهار الإمراضية النسيجية.

الموجودات النسيجية

  • الداء العليقي الباكر:

ويظهر فيه: - الإيماس (قذف الخلية لمحتوياتها) العدلي مع تشكل خراجات داخل البشرة هي السمة الأبرز.

- ارتشاح حبيبي للبشرة متوسط إلى كثيف، مكون أساساً من خلايا بلاسمية وخلايا لمفاوية، مع بعض الخلايا النسيجية والعدلات والحمضات. وبخلاف الزهري يغيب التكاثر البطاني، أو يكون غائباً.

  • الداء العليقي المتأخر:

- يظهر موجودات نسيجية مشابهة لتلك للزهري الثالثي، وتتضمن ارتشاحاً بشرياً كثيفاً من الخلايا الشبيهة بالظاهرية، مع خلايا عملاقة وخلايا لمفاوية وأرومات ليفية.

- كما قد يظهر تنخر مجبن.

- تكون خلايا البلاسما والخلايا النسيجية نادرة، بخلاف الداء العليقي الباكر.

يمكن استخدام صبغات الفضة (شتاينر) لتكشف كثير من اللولبيات بين الخلايا المتقرنة في الداء العليقي الباكر. حيث تشاهد في نمط حزمي أو كعناقيد في البشرة. وبخلاف اللولبية الشاحبة والتي توجد في كل من البشرة والدمة فإنَّ اللولبية الشاحبة البرتونية تكون تقريباً كلياً في البشرة.

يظهر استخدام المجهر الإلكتروني على الآفات الباكرة ندرة اللولبيات على شكل عناقيد في المساحات بين الخلوية للبشرة بين الخلايا الالتهابية، وضمن سيتوبلاسما البالعات وفي الأدمة.

التدبير والمعالجة

يعد البنسلين الدواء المفضل لعلاج الداء العليقي. فبعد حقنة بنسلين واحدة تصبح الآفات الباكرة غير معدية خلال 24 ساعة، وتشفى خلال 1-2 أسبوع. وفي حال كان المريض يتحسس من البنسلين يمكن استخدام التتراسيكلين أو الأرثروميسين أو الدوكسيسيكلين. في دراسة على الأطفال في غينيا الجديدة وجد أنَّ الأزيثروميسين بديل مقبول لعلاج هذا الداء، إضافةً لكونه علاجاً بسيطاً لا يتطلب متدربين طبيين لإعطاءه.

  • توصيات العلاج الوبائي للداء العليقي:

- إذا أظهر أكثر من 50% من الأطفال إيجابية مصلية (وبائية شديدة)، فيجب معالجة كل الناس.

- إذا أظهر 10-50% من الأطفال إيجابية مصلية، فيجب معالجة الحالات النشطة، والمتصلين معهم، وجميع الأطفال تحت سن الخامسة عشر.

- إذا أظهر أقل من 10% من الأطفال إيجابية مصلية فيجب معالجة الحالات النشطة، مع أفراد عوائلهم وباقي الأشخاص الذين هم على اتصال واضح معهم.

المصدر

https://emedicine.medscape.com/article/1053612-overview#a7